لم تكن مُصادفةً، أن تتزامن بداية محاولات مشيخة قطر، القيام بدور أكبر من حجمها، مع ولادة فضائية الجزيرة، التي لعبت في مستهل انطلاقتها، مُعتمدةً أساليب النقاش والحوار والمناظرة، دوراً بارزاً عند المشاهد العربي، الذي رأى فيها ظاهرةً إيجابيةً، دفعته للنأي بنفسه عن المحطات الرسمية المملّة، والفارغة من أيّ حيز للرأي الآخر، وقد تعاظم دور المحطة الجديدة، حتى كادت تبتلع المشيخة، التي شهدت مرحلة صعود، استمرت عقدين زمنين، ولم يكن مُقدراً لها أكثر من ذلك، فانتهت بتنحي الأمير الطموح، وتسليمه السلطة لابنه، على أمل الاستمرار بشكل من الأشكال، لكن المهم أن الجزيرة لم تعد قادرة على الإسناد، لفقدانها الحدّ الأدنى من المهنيّة، وإدارتها الظهر لكل ماله صلةٌ بتنوّع الآراء، التي كانت تميّزها عن فضائيات الأنظمة، فباتت واحدة منها، لاتحترم عقل المشاهد، ولا تتبنّى طموحاته.
مرّت الجزيرة بمرحلتين، كانت كلٌ منهما أكثر بؤسا من الأخرى، الأولى حين تولى قيادتها قومجيون، أغمضوا أعينهم عن ما يدور في المشيخة، وصرفوا معظم اهتمامهم للتهجم على جيرانهم السعوديين، ليس انطلاقاً من قناعاتهم القومية، بقدر ما كان ذلك رداً على الموقف السعودي، المؤيد لحاكم المشيخة السابق المطرود من قبل ابنه، كان هذا يُمثل انقلاباً على السيطرة السعودية على الإعلام العربي، التي تعاظمت بعد موقف الملك فيصل في حرب أكتوبر، إلى درجة إحجام إعلام الأنظمة "الثورية" عن مهاجمة "الرجعية" السعودية، مع تواصل سعي الرياض، لإعادة الأمير المطرود إلى حكم المشيخة، خشية تفشي الفكر الإنقلابي، عند العائلات الحاكمة في منطقة نفوذها الخليجية، ووصول ذلك إلى عقر دارها.
بالتأكيد ظل الخلاف القطري السعودي تحت أعين الأميركيين، غير المعنيين إلاّ بتأمين منابع النفط، كان حكام قطر يلبسون عباءة تتجاوز أحجامهم بكثير، خصوصاً لجهة تدخلهم في الحراك الشعبي في ليبيا ومصر وسوريا، بتبنيهم لجماعة الإخوان المسلمين، التي وجدت في الدوحة ملاذاً وممولاً، ولم يكن الهدف الحقيقي غير مناكفة السعوديين، الذين استأثروا أخيراً بدعم واشنطن، مع لجم الدور القطري، الذي اتكأ على شعارات خالية من المضمون حول القضية الفلسطينية، استطاعت الجزيرة من خلالها القيام بدور تطبيعي مؤثر، باستضافتها المتكررة لإعلاميين وسياسيين إسرائيليين، يُدافعون عن موقف دولتهم، تحت غطاء الرأي والرأي الآخر.
لعب حاكم قطر على وتر التحالف مع سوريا وإيران، مناكفاً الدور السعودي، وكان مُدهشاً قبول معسكر الممانعة، للتحالف مع مشيخة تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، لم يزعج ذلك الأميركيين والإسرائيليين، حتّى أن واشنطن أسندت للدوحة في مرحلة ما دور قيادة الجامعة العربية، وبدا ذلك شديد الوضوح، في التعامل مع الثورة الليبية ضد القذافي، وكانت الجزيرة الأداة الأنسب لتعميق هذا الدور، الذي توقف عن الفعل، بتأثير عدة عوامل أقصت حاكم المشيخة ورئيس وزرائه عن الواجهة، وأرضت السعوديين بإبراز دورهم في مصر وسوريا، بعيداً عن "تنظيم الإخوان" المستسلمين لمشيئة قطر، برعاية الشيخ القرضاوي.
فقدت قطر دورها الذي انطلق مُحلقاً قبل عقدين، وأقرت لجارها القوي بحق القيادة، مكتفية بالبقاء تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، واستثمار ثرواتها الهائلة في مشاريع تجارية، ليست صدفة أنّ معظمها وأهمها يقع خارج الجغرافيا العربية، ومعها تفقد الجزيرة دورها، الذي ظل مشبوهاً منذ ولادتها، وإلى أن تُباع لمستثمر غربي على الأرجح، يواصل من خلالها ذلك الدور، الذي أخذ ألباب العرب يوماً ما، ويستند إلى قوة حقيقية، وليست وهميةً كما في حالة قطر، التي بدأت رحلة العودة إلى حجمها الطبيعي.
قطر والجزيرة وتزامن انتهاء الدور
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2013: 10:01 م