بيننا وبين الخراب التام الشامل شعرة، ليست كشعرة معاوية التي لا تنقطع، وإنما هي رفيعة ورقيقة للغاية قابلة للقطع في كل ظرف وحال. والخراب التام الشامل في أي دولة أو مجتمع إنما يكون بانهيار نظامه التعليمي، وبالذات نظام التعليم العالي، فمن دون تعليم عال نمشي القهقرى إلى عهود الكتاتيب وملاليها، فلا تعود لدينا كوادر متقدمة متخصصة ولا حتى كوادر وسطى، أي ان النظام التعليمي سينهار وينهار معه النظام الصحي والنظام الحقوقي والنظام الاقتصادي والنظام المالي.. والنظام الأخلاقي أيضاً.
التعليم العالي الآن في أسوأ حال يُمكن تخيلها، وهذا راجع في الأساس الى حقبة الدكتاتورية وحروبها الداخلية والخارجية. وكان من المفترض أن تعود الامور الى نصابها في هذا القطاع بعد الخلاص من الدكتاتورية، فيعود الالتزام بالقواعد الاكاديمية ويُعاد الآلاف من خيرة العقول التي هاجرت رغماً عنها لتساهم في اعادة بناء ما تخرّب في السابق.. لكنّ ما يجري الآن أسوأ بكثير مما كان يجري في عهد صدام.
بدأ انهيار نظام التعليم العالي بتسييس هذا القطاع، فحزب البعث أغلق بعض الكليات على أعضائه ومؤيديه، بمن فيهم عناصر الأمن والمخابرات، وفرض قبولهم فيها استثناءً من الشروط الأكاديمية المطبّقة في جامعات العالم والتي ظلت محترمة في جامعاتنا في مختلف العهود السابقة. والأسوأ ان خرق القواعد الأكاديمية في القبول شمل الدراسات العليا، وهو ما نجم عنه تخريج وجبات من المدرسين الجامعيين غير المؤهلين حتى للتدريس في المدارس الابتدائية والثانوية.
الآن يجري الشيء نفسه في جامعاتنا قاطبة الحكومية والأهلية، فالأحزاب النافذة في السلطة تفرض عناصرها فرضاً ليس فقط في الدراسات الأولية (البكالوريوس) وإنما في الدراسات العليا أيضاً، اذ تتسلم رئاسات الجامعات وعمادات الكليات من دون انقطاع تعليمات واستثناءات تُلزم بقبول طلبة في الدراسات العليا خارج كل القواعد والشروط الاكاديمية، بل يجري الإلزام بقبول طلبة فشلوا ورُقّنت قيودهم مرتين وثلاثاً.
يجري الآن ضخ المئات من الفاشلين مراراً وتكراراً، ومن كبار السن، ومن المتردية مستوياتهم التعليمية، في الدراسات العليا، باستثناءات لا عدّ لها ولا حصر، من جهات لا عدّ لها ولا حصر هي الأخرى بينها رئاسة الوزراء. هذا يعني اننا نُعيد في هذا القطاع أيضاً انتاج ما ورثناه من نظام صدام .. وهذا يعني ان دولتنا الراهنة بأحزابها النافذة، وهي اسلامية، تعود بنا عن سابق تصميم وإصرار الى عهود الجاهلية.
تخيّلوا ما ستكون عليه حال التعليم العالي بعد ثلاث سنوات وأربع وعشر، عندما يُمنح هؤلاء شهادات الدكتوراه ويُناط بهم تدريس الجيل الجديد من طلبة الجامعات، وليس مستبعداً ان تعهد اليهم رئاسات الاقسام الجامعية بوصفهم الموصى والموثوق بهم من قيادة الحزب الحاكم والدولة، على غرار ما كان يحدث في عهد صدام .. تخيّلوا أي جاهلية سنكون فيها!
جميع التعليقات 2
فراس
العكس هو الصحيح يا سيدي الكريم,, العنوان يجب ان يكون (الى الاسلام در) او (الى الدين در) لكي لا اتهم بمهاجمة دين معين,, د. طه حسين يرفض تسمية عصر قبل الاسلام بالجاهلية, بالعكس كان عصر زاهر, شعراء وتجارة حرة ومكة مفتوحة لجميع الاديان بلا تفرقة, بعد قدوم الا
ابو ناصر
السلام عليكم احيي السيد الكاتب على مواضيعة الشيقة والتي تتعرض الى مواضيع ولقعية وحساسة تهم المواطن والوطن. سيدي ان موضوع التعليم العالي مؤلم جدا خاصة بعد تسنم الوزير الحالي مسؤولية وزارة التعليم العاي.فاختيار المسؤولين وخاصة رؤساء الجامعات ومساعديهم والعم