في معظم الدول التي ترسخت فيها مفاهيم الديموقراطية، تتساهل المحافل الرقابية بشأن الأحاديث والخطب التي يلقيها العامة، ولو كانت أوزانها بالكيلو والرطل،وتتشدد في رقابة خطب المسؤولين الكبار - رئيساً ووزراء وبرلمانيين- حد وزنها بالمثقال والقيراط!في معظم تلك الدول، ثمة مكتب صحفي ملحق برئاسة الوزارة،مهمته إعداد الخطب، سيما المصيرية منها،وتنتدب للمهمة خيرة أقلام الصحفيين والكتاب،ثم تعرض على رئيس المكتب الذي له الصلاحية أن يضيف ويحذف، يبدل ويعدل،عبر مسامات غربال دقيق لتنقية الخطاب من كل الشوائب التي تعرض الرئيس لموقف محرج ’ او تلزمه لزوم ما لا يلزم.
يخطئ من يظن ان المسؤول في تلك الدول، يلقي خطاباته المصيرية (ارتجالاً) كما يبدو للمشاهد العادي، -حتى ملكة بريطانيا لا يمكنها الاسترسال في خطبها كما يحلو لها-، لابد للمسؤول من قراءة الخطاب مراراً وتكراراً، واستظهاره حفظاً قبل التوجه لمنصة الخطاب. وما كشف النقاب عنه مؤخرا عن فترة حكم مرغريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا) وهي المحامية القديرة المفوهة , وكيف أن خطبها الساخنة وشديدة السخونة كان يجري إعدادها والتدريب على قراءتها قبل الظهور على الملأ وأمام العدسات وأجهزة المايكروفون...
في الأمور العويصة التي يراد الإعلان عنها او الترويج لها، والتي لا يراد للرئيس او المسؤول الكبير ان يورط بتبعاتها حزبه او دولته، او بلدا من بلدان الجوار، يجري الإيعاز لوزير ظل او وزير دولة القيام بالمهمة، والأسباب عقلانية ومنطقية لأبعد الحدود.... فالتصريحات تلك لا تلزم المسؤول الكبير بموقف، ولا تقيده بوعد او بعهد إذا ما تم الإخلال بذلك الوعد او العهد،بل وتعفيه من أخلاقية الالتزام.. وتجنبه مشقة الوقوف في قفص الاتهام للرد او دفع التهمة وتمكنه من الإفلات والتسلل من الفضيحة -- إذا كانت ثمة فضيحة--كما تستل الشعرة من عجين خاثر..مناسبة هذي المقدمة ما تفاعل ويتفاعل من نتائج -وخيمة - عبر ظهور السيد رئيس وزراء العراق في مقابلة تلفزيونية، اعترف فيها بعجز القوات الأمنية من جيش وشرطة وأجهزة دفاع مدني وكوادر حزب عريق وخشيتها وجبنها من التصدي لظاهرة فساد يعرف اسم عرابها ويتابع مسالكها الملتوية، في حين تصدى لها ولده , واجترح في إنجازها الأعاجيب.
الكثيرون من غرماء المالكي ومواليه،، أشفقوا عليه بدل التشفي به. تمنوا لو لم يعرض هيبته لموقف أساء إليه بدل ا ن يعزز مركزه.. موقف نال فيه من سمعة قوات الأمن، وأجهزة الدولة التابعة له، والحزب الذي أوصله لسدة الحكم،وهو سوء تقدير لمواهب الابن وقدراته الخارقة.
لو كان السيد رئيس الوزراء قد استشار من يحبه ويثق فيه قبل الظهور على الهواء،لو كان له مستشارون يمحضونه النصيحة , لو أنه عهد لواحد من أتباعه المخلصين التحدث بما تحدث به، لو إنه.... لو إنه....لو إنه.. لكان للورطة ألف مخرج،، أما والسيد قد ذهب بنفسه إلى (الصيد) ليصطاد مغنماً، فوقع في براثن الفخ،فهذا ما لا يمكن معالجته بإنكاره او نفيه أو التنصل من تبعاته.
زلات القدم يمكن جبرها ,, أما عثرات اللسان فجبرها مستحيل، مستحيل، مستحيل.
كرسي الإعتراف
[post-views]
نشر في: 20 أكتوبر, 2013: 10:01 م