TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مصائر المولدات الأهلية

مصائر المولدات الأهلية

نشر في: 20 أكتوبر, 2013: 10:01 م

هل يصدق العراقيون انهم سيودعون المولدات الأهلية إلى الأبد؟ لا احد سيجيب بحسم عن السؤال، رغم تأكيد الوزارة والحكومة تحقق "المعجزة" التي يفترض انها كلفتنا مالا طائلا وكانت اغلى مشروع طاقة في تاريخ سومر وبابل. نعم، لن نرى النتيجة إلا حين تشتغل المدفأة الكهربائية وسخانات الماء، في اختبار عسير للسيد عفتان وحشد المسؤولين خلفه.
وقبل ٣ أعوام كنت احدق في مولدة شارعنا الأهلية، وأفكر في مصيرها، حين تتحقق يوما ما، معجزة وتكون لدينا كهرباء رسمية مستقرة. أتذكر الآن كم مرة وقفت متفاوضا مع صاحب المولدة، كي افهم مشكلة "الجوزة" التاريخية التي تتقافز وتقطع عني الطاقة بسبب حرارة الجو، وكنت أنصت حائرا لزئير المحرك العملاق، وأتساءل: ماذا يقول هذا الضجيج المستمر منذ أعوام طويلة، هذا المحرك الصيني أو الألماني، هل يضحك بسخرية، أم يبكي على العراقيين باللغة الكورية؟ ماذا سنفعل بالمولدات الأهلية، لو حصل وأصلحنا "الوطنية"؟
المولدة أصبحت مواطنا، فردا من العائلة، لها حصة من مصروفنا، وتستحق يوما في روزنامتنا الوطنية، قد يعلن عطلة وعيدا وطنيا. ربما رسمناها على العلم الجديد لأنها "محل إجماع كل الطوائف"، وقد ندرجها في سلامنا الجمهوري الفدرالي الذي لم يظهر بعد. ربما سيقترح احدهم أن نقيم لها نصبا وتمثالا في كل مدينة، ونكرم سنويا الصبية الذين اتلفوا أعمارهم في تسلق السلالم الخشبية لوصل أسلاكها التي تتقطع حين تمر شاحنة مسرعة.
خطر لي أن الشعب سيكون يوم تستقر الكهرباء الوطنية، اكثر ترفا ولديه وقت ليمتلك حساسية فنية راقية فيقرر أن يجمع كل المولدات التي "ناضلت" من أجلنا طويلا بأمبيراتها المرتعشة والمحبوبة، ويضعها جميعا في متحف عملاق. ولن يكون غرض المعرض هذا وصف أنواع المحركات ومواصفاتها، بل لتسجيل آلام المحرك و مكابداته.
لقد تخيلت المتحف بالشكل التالي: في المدخل، وضعوا آخر مولدة رفعت من شوارع العراق، سجل عليها خبير المتحف عبارة تقول: كانت تغذي في أيامها الأخيرة ثلاثمائة منزل قرب الدغّارة. هناك مولدة أخرى وضعوا إلى جانبها بطاقة تعريف: تعرضت للعطل مائة وخمسين مرة، ولم تتسلم الغازأويل من مجلس المحافظة. مولدة ثالثة كتب على واجهتها بالطباشير: انتجت اغلى الأمبيرات عبر خط ذهبي في العرصات، بأربعين الف دينار للامبير. وبجانبها مولدة أفقر حي في العراق كانت تكفي لخمسة آلاف عائلة فقيرة لم تشترك كل منها بأكثر من أمبير واحد بسبب العوز.
أتخيل كذلك مولدات منزلية صغيرة أهدتها العوائل إلى المتحف. هذه أصيبت بالعطل يوم اندلعت أزمة العيساوي، وحرمت العائلة متابعة احاديث السادة المسؤولين. تلك اشتريناها في توقيت خاطئ يوم حصول معجزة الكهرباء الرسمية المستمرة، ولم نستخدمها. مولدة ثالثة دوّن عليها شاب بالتركمانية كلمة معناها: حبيبة الفيسبوك، لأنها كانت تسمح له بالتسلل ليلا إلى نوافذ الدردشة مع أصدقائه عبر الأنترنت.. الخ.
كنت افكر بسيناريوهات حائرة وزئير المولدة يتصاعد. هذه المولدة تسخر مني. كأنها تقول: لن يثق العراقيون بالكهرباء الرسمية حتى لو استمرت بدون انقطاع شهرا كاملا أو شهرين. سيحتفظون بمولداتهم في الشوارع، ويعترضون على أوامر الحكومة بإزالتها. سيظلون مرتابين مشككين. بعضهم سيقاطع الكهرباء الرسمية المريبة وسيظل يطلب أن يعيش إلى الأبد على ٥ أمبير "دافئة وجميلة ووفية نسبيا".
وفي اليوم الوطني للمولدات (الذي اقترحه) يمكن أن تقبل العوائل على شراء مولدات صغيرة جديدة وتزيينها "مثل شجرة كريسماس" خضراء مضيئة، وتقوم تلك الليلة، بإطفاء كل أنوار المنزل وإيقاد المولدة "الذكرى" التي كانت تمدنا بالدفء والبرد.
وبعد ألف عام... سيقرأ عراقي ما، ما كتبناه حول الحياة والموت والتفخيخ، لكنه سيهتم كذلك بكل ما كتبنا حول المولدات، وسيكتشف أننا قمنا بتدبيج آلاف المقالات والتصريحات والوعود والبكائيات، يمكن أن تجمع كملحمة كاملة لا تقل أهمية عن قصة الخلق الأكدية أو "حينوما عيليش".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. آريين آمد

    ساهدي مولدتي الصغيرة الى المتحف المقترح واكتب عليها بخط لا لبس فيه.... (روحة بلا ردة)... لاني اتطلع لمستقبل لا وجود فيه لمصاصي الدماء وسياسو الصدفة....

  2. زكي

    كل الدول تحتاج الى جانب الكهرباء الوطنية مولدات كهربائية للطوارئ والمشاريع وغيرها وكثيرا ما تفرض على بعض المؤسسات وجوب توفير مولدات احتياطية في حال توقف الكهرباء العامة ولو لدقائق وكذلك المبردات الضخمة الخاصة بالبضائع والمواد الحساسة للحرارة لا تستغني عن

  3. عبد الرحمن الجبوري

    ما رايك في ادامتها وارسالها الى شعب سوريا كعربون لو قوفنا مع نظام الاسد او نضعها في بيوت المسؤولين في الحكومه كتذكار شكر لهم ولخدماتهم الجليله. او تنظيفها من المواد الضاره بالبيئه ووضعها كحزام حديدي بدلا من الحزام الاخضر حول كل مدينه لتقينا عواصف الرمال.

  4. ابو سجاد

    من قبل كنت اقول اول من يدخل نار جهنم ( اهل المخضر) واليوم عندما ادخل متحفك وهدا حلم اكتب عبارة اول من يدخل نار جهنم هؤلاء اصحاب المولداة وسيصلون نارا وقودها بالكاز) لكونهم من مصاصي الدماء وجزء لايتجزاء من الارهاب ارجو من الله ان يريني هدا اليوم كما اراني

  5. ابراهيم

    ليش أكو عراق بعد خمسين مو الف سنة بفضل المختار الضرورة شدعوه ها التفاؤل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram