TOP

جريدة المدى > مسرح > "أنا الحكاية" في مقبرة جماعية

"أنا الحكاية" في مقبرة جماعية

نشر في: 21 أكتوبر, 2013: 10:01 م

لم تزل الجرائم التي ارتكبتها السلطات القمعية المتعاقبة ؛ حاضرة في الوعي البشري لاسيما تلك التي تتخذها السلطات مساراً وأسلوباً ومنهجاً في إقصاء الآخر المختلف عنها في الفكر، والرأي والعقيدة ، وتعد جريمة الإبادة الجماعية أحد أبشع الجرائم التي تصنفها الم

لم تزل الجرائم التي ارتكبتها السلطات القمعية المتعاقبة ؛ حاضرة في الوعي البشري لاسيما تلك التي تتخذها السلطات مساراً وأسلوباً ومنهجاً في إقصاء الآخر المختلف عنها في الفكر، والرأي والعقيدة ، وتعد جريمة الإبادة الجماعية أحد أبشع الجرائم التي تصنفها المنظمات الدولية بوصفها (جرائم ضد الإنسانية) ،  التي تم الكشف عن بعضها من خلال المقابر الجماعية ، بينما لم يزل غيرها مجهولاً حتى قيام الساعة، وعلى الرغم من ان هذا النوع من الجرائم لا يقتصر على أمة دون سواها ، حيث تتشارك المجتمعات التي يهيمن عليها الحكم الشمولي في الأوجاع ذاتها ، ويعد المجتمع العراقي في طليعة تلك الدول التي تنوعت فيها جرائم الإبادة الجماعية ومقابرها التي تنتشر من الشمال إلى الجنوب.. سواء تلك التي تم اكتشافها أو تلك التي لم تزل في غيابة الجُبْ .
وقد جاء سقوط النظام التسلطي بعد( 2003 ) لكي يكون بداية للكشف عن (المقابر الجماعية ) التي بدأت حملات الكشف عنها تنتشر في طول البلاد وعرضها ، لتبدأ مراسيم النواح الأبدي للعوائل المنكوبة في أزمنة الوجع اللانهائي.
 المقابر الجماعية في النص الدرامي:
تنوعت الاشتغالان النصية  التي تتعاطى مع فكرة (المقابر الجماعية) إلا أن العديد من التجارب المسرحية لم يمتلك صانعوها القدرة على توظيف المأساة على نحو درامي يمنح المتلقي فرصة في إعادة إنتاج المأساة ، بل اقتصر الأمر على تقديمها كما كشفتها حفريات المنقبين .
وقد بدا ذلك حاضراً في مسرحية (أنا الحكاية) تأليف(سعد هدابي) سينوغرافيا وإخراج (فلاح إبراهيم) تمثيل (عواطف السلمان – فلاح إبراهيم ) والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني ضمن فعاليات (أيام مسرحية عراقية ) التي أقامها المركز العراقي للمسرح .
إن المؤلف ظل حبيس الواقعة التي بات المتلقي مدركاً لها .. لاسيما وان هذه المقابر لم تتوقف عند الزمن الماضي بل أن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي اليوم لا تمنح المتلقي فرصة النظر إلى ذلك التأريخ الدامي .. لتتحول المقابر الجماعية في الماضي القريب إلى (مقابر مجهولي الهوية) في الحاضر وربما في المستقبل الغامض!الأمر الذي بدا فيه النص معتمداً على ذاكرة المتلقي من دون ان يقدم له طروحات درامية تنسجم مع حجم المأساة التي ادركها المتلقي سمعياً وبصريا، من خلال القنوات الفضائية والأفلام الوثائقية .. فضلا عن الحكايات والشهادات التي  يتناقلها أهل الضحايا .
اعتمد المؤلف في (أنا الحكاية) على ثنائية الأم الباحثة الأزلية عن ابنها في رفات المقابر الجماعية ، وعلى الغريزة  الحيوانية ممثلة بشخصية (الرجل) الذي بدا سلوكه التعبيري خالياً من الصفات الإنسانية، واقتصرت رغبته الجامحة على اصطياد (الأم / الأنثى) إلا أن المؤلف لم يمنح المتلقي فرصة اكتشاف شخصية (الرجل) ،الأمر الذي جعل المتلقي يبحث عن ماهية ذلك الشخص الذي ارتضى ان يسكن في حفرة تتناثر فيها الجثث أو ما تبقى من أعضائها التي  منحت الباحثين عن أبنائهم فرصة في التعرف عليهم من خلالها.. فضلا عن ذلك  فإن المؤلف ارتضى  الاعتماد على اللهجة المحلية  مستفيداً من تعاطف المتلقي معها ، من دون أن يكون لها فعل دلالي يمنح النص الدرامي فرصاً في القراءة والتأويل والبحث في ثنايا المتن النصي عن اشتغالات توليدية سعياً وراء ثيمات جمالية تمنح الواقعة المأساوية روحاً درامية.
سينوغرافيا العرض :
اعتمد المخرج السينوغراف  على المتن النصي في صياغة فضاء العرض مستفيداً من البيئة التي يحققها فضاء المقبرة الجماعية ، بوصفه مقترحاً مكانياً ،إلا ان ذلك أوقع العرض في سينوغرافيا ثابتة  وغير متحولة ، إذا ما استثنينا حركة الإضاءة في إشارة  إلى وجود (البلدوزر) وماعداها فإن الشكل البصري والمفردات التي اعتمدها المخرج ظلت ساكنة  من دون أن يتم التعامل معها على الرغم من ان بعضها كان يمتلك حضوراً دلالياً كما هو الحال مع (براميل النفط – إطارات السيارات) إلا أنها جميعا ظلت أسيرة البيئة المفترضة .
فضلا عن ذلك إن اشتغال المخرج السينوغراف على الإضاءة التي جاءت منسجمة بشكل ما مع فكرة النص إلا أنها وقعت في محنة تطبيق الوظائف الأساسية للإضاءة في العرض المسرحي والتي تتمثل في كشف الشخصية ، ذلك أن المخرج عمل على تأسيس جو بصري ينسجم مع  زمن الحدث الذي كان يحيل المتلقي إلى الليل ،  أما اذا كان المخرج قاصداً لتلك الظلمة من اجل تحقيق فرضية تتمثل في وحشة المقابر وظلمتها ، فإنه قد استطاع إيصال تلك الفكرة التي بدت مهيمنة على العرض لدرجة أنها لم تمنح المتلقي فرصة التواصل مع الممثلين الذين تحولوا في أحيان كثيرة إلى أشكال شبحية خالية من التعبير.
الأداء التمثيلي والأحداث المتفجرة:
عملت الفنانة (عواطف السلمان) في مشوارها الفني على تكوين علاقة جمالية مع المتلقي ، وقد بدا ذلك واضحاً في العديد من العروض المسرحية التي يمكن ان نذكر منها (أب للبيع أو للإيجار) إخراج الراحل (قاسم محمد) والتي جسدت فيها شخصيات متنوعة ، فضلا عن أدائها في مسرحية (النهضة) إخراج ( عباس الحربي) الذي ظل حاضراً في ذاكرة المتلقي العراقي ، وعلى الرغم من أن الفكرة التي تصدى لها فريق العمل في (أنا الحكاية) ليست ببعيدة عن أوجاع (النهضة) إلا ان الأداء التمثيلي لم يكن منسجماً مع الشكل الدرامي للمأساة ، وقد بدا واضحاً في  غياب فعل الممثل في العديد من المشاهد  ، وبخاصة (المرأة) والتي نذكر منها ، عدم تفاعلها مع أصوات الحفارات (البلدوزرات) التي كانت حركاتها تسبب جراحاً لاتندمل في قلوب الأمهات، فضلا عن ذلك فإن سلوك الممثلة لم يكن حاضرا في المشهد الذي تجد فيه حقيبة طفلها ، حيث اقتصر أداؤها على المنطوق النصي ،الذي لم يكن بحجم الانفجار المشهدي، الأمر الذي جعل من الممثلة بعيدة عن سلوك الشخصية التي هي بالإساس حاضرة في ذاكرتنا الجمعية، وعلى الرغم من محاولة المخرج تكرار الشخصية في المشهد الأخير إلا أنها لم تتعد عن كونها أشكالا لشخصيات يدرك المتلقي حجم المأساة التي تعيش في فضائها، ومن جهة أخرى نجد الفنان (فلاح إبراهيم ) الذي لعب دور الرجل حاول جاهداً أن يتفاعل مع المكان إلا ان حركاته ظلت مقتصرة على أماكن محددة في فضاء العرض ، فضلا عن الإجهاد الذي بدا واضحاً في الأداء الصوتي لكلا الممثلين اللذين ظلا يحاولان إيصال الجمل الدرامية التي كان المتلقي يفقد الكثير منها قبل ان تصل إليه، إلا أن محاولتهما ظلت محدودة ومتواضعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram