القاعدة في يينا؟ في شرق ألمانيا؟ في إقليم تورينغين، قريباً من فايمار، حيث عاش زبدة المفكرين والشعراء والموسيقيين الألمان. غوتة، شيللر، باخ وهيردير، مثلاً؟ قد يبدو الأمر غريباً، لأن ما نعرفه عن يينا، أنها المكان الذي نشأت فيه خلية إرهابية أخرى، عصابة قتل، اسمها أن أس أو، عصبة الحماية القومية، أخذت على عاتقها تصفية مواطنين أجانب في ألمانيا (تسعة أتراك ويوناني!)، لكن أن تكون هناك القاعدة، فهو أمر جديد، وحتى إذا افترضنا، أن القاعدة ستضيف حماقة أخرى إلى حماقتها، وتؤسس خلية جديدة، فهي لن تؤسس خلية بالذات في يينا، فمدينة صغيرة مثل يينا، لا تصلح أن تكون هدفاً للقاعدة، كأن تملك منشآت عسكرية أو مراكز نووية، أو برجي تجارة عالميين؟ مهلاً، لماذا لا نعتقد مثلاً، أن القاعدة تريد التعلم من منظمة أن أس أو مثلاً، الدخول في دورات تدريبية هنا: "كيف تقتل على مدى عشر سنوات دون إزعاج"، أو اكتشفت أن مصانع تسايس لا تصنع عدسات الكاميرات العادية وحسب، بل العدسات الخاصة بزوم الدبابات، والدبابات الألمانية هذه مرغوبة جداً في السعودية، وكما نعرف أن القاعدة على خلاف بالرأي مع المملكة! رغم أن القضية هنا فيها ثغرة، لأن قسماً من الدبابات هذه سيذهب أيضاً إلى قطر، وقطر سواء شئنا أم أبينا، حليفة مخلصة للقاعدة، ظهرها الحامي، فوحده تلفزيون الجزيرة القطري هو الصوت الناطق باسم القاعدة، كل بيانات وأشرطة بن لادن السابقة ومساعده بتوزيغ فرامانات الموت في كل مكان باستثناء قطر، أيمن الظاهري، تملك قناة الجزيرة حقوق بثها أولاً، بهذا الشكل من غير المعقول أن يكون مكان تصنيع عدسات الدبابات هدفاً للقاعدة. لم يتبق لنا إذاً غير كلمة "باراديس"، الجنة، المعلقة باسم يينا، أليس اسم المدينة "يينا باراديس"؟ ربما يعني هذا، أن القاعدة، وجدت في يينا "الجنة" مكاناً جديداً لإقامة قتلتها المرضى جنسياً بعد أن اكتظت جنة "ربهم" بهم، ولم يعد لهم مكان هناك؟ لا أدري، والأمر لا يفرق بالنسبة لي، عزيزي القارئ، المهم هو أن آتي على الموضوع وأروي لك القصة.

منذ حزيران الماضي أقيم في فيلا روزينتال في يينا بمنحة تفرغ للكتابة (رايتر إن ريسيدينس). ولمن لا يعرف فيلا روزينتال، فهي فيلا عادت أصلاً للزوج أدوارد كلارا روزينتال. أدوارد روزينتال المواطن العالمي (كوزموبوليت) كان قد درس القانون والاقتصاد والفلسفة، قبل أن يصبح أستاذا في جامعة يينا، كما كان وراء كتابة مخطوطة دستور جمهورية تورينغين، فضلاً عن شغله منصب نائب في برلمان الجمهورية الناشئة ممثلاً عن الحزب التقدمي الألماني. أدورارد روزينتال توفي عام 1926، أما زوجته كلارا التي عاشت في الفيلا حتى وفاتها (قيل منتحرة؟!) عام 1940، والتي تميزت بجمالها (قيل أنها أجمل امرأة في يينا)، فقد عُرف عنها انفتاحها على المجتمع ونشاطها الاجتماعي. ولأن الابن الوحيد للزوجين سقط صريعاً في الحرب العالمية الأولى في فرنسا وهو في أواسط العشرين من عمره، فإن الزوجين أوصيا أن تعود الفيلا بعد موتهما لمدينة يينا. في عام 1933 وبعد صعود النازيين للسلطة، أقام رئيس البلدية الثاني النازي في الفيلا. ولم يكفه احتلال الطابق العلوي من الفيلا، بل لجأ إلى كل المحاولات لتطهير "الأرض الآرية" (الفيلا)، من "اليهودية" العجوز. هناك وثائق وبروتوكولات وقصص عديدة من تلك الفترة، قابلة للتأويل. الثابت: هو أن السيدة روزينتال، السيدة، وُجدت ميتة في الطابق الأرضي من الفيلا، الذي كان عليها الإقامة فيه. في الوثائق الرسمية "النازية" يجري الحديث عن "الانتحار"، قيل إنها جرعت كمية كبيرة من الحبوب. الثابت أيضاً: أن بلدية يينا ورثت الفيلا، وأن رئيس البلدية الثاني "الآري" أصبح وحده مع عائلته سيداً على الفيلا!

في زمن ألمانيا الديموقراطية مرت الفيلا بمراحل عديدة، عاش فيها ناس مختلفون، وأولاً في عام 2009، ولمنعها من الاندثار، عملت ثقافة يينا على ترميم البناية، وجعلها مكاناً للإقامة النصف السنوية لأديب وفنان. في صيف 2013 وقع الاختيار عليّ كأديب. لكن ما هي علاقة كل ذلك بتنظيم القاعدة؟ هذا ما سنعرفه في عمود الأسبوع القادم!

 يتبع

* العمود ينزل بالتزامن مع نشره في صحيفة نزيه تزوريشيرتزايتونع السويسرية.