تُراوح المفاوضات القائمة اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، بين فشل بات قريباً، ونجاح لم تتبين له أية حظوظ، ذلك أن المقايضة التي تطرحها حكومة نتنياهو بين الأسرى والمستوطنات، مُجحفة بكل المقاييس، ولا نظن أن هناك قائداً فلسطينياً يجرؤ على المضي فيها، فالإفراج عن الأسرى ووقف سرطان الاستيطان حق للفلسطينيين، بحسب كل القوانين الدولية، وبعيدُ عن أي منطق القبول بالمستوطنات والمستوطنين، إلا إن كان هدف المفاوضات، هو القبول باستمرار الاحتلال مُتخفياً بثوب الاستيطان.
تُشير الأنباء من المصادر الإسرائيلية، أن حكومة نتنياهو ستوافق قريباً على الإفراج عن 26 أسيراً فلسطينياً، من أصل أكثر من 100 أسير قديم، تم الاتفاق على الإفراج عنهم على أربع دفعات في إطار مفاوضات السلام، وذلك بالتزامن مع نشر عطاءات لبناء 1500 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، وهي عطاءات يزعم نتانياهو أنها ترمي إلى تخفيف حدة معارضة الجناح اليميني في حكومته، على الإفراج المُزمع عن السجناء الفلسطينيين، في وقت يتم فيه تسريب أخبار مفادها أن مواصلة البناء في المستوطنات هو جزء من الترتيبات، التي جرت مع الفلسطينيين والأميركيين، قبل استئناف المفاوضات في تموز الماضي.
يبدو اليوم أن التفاهمات بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما حول استئناف المفاوضات، لم تشمل التزاماً إسرائيلياً بتجميد البناء في المستوطنات ، وعلى هذا الأساس قام نتنياهو بإبلاغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال لقائهما في روما قبل أيام، نيته المصادقة على نشر عطاءات جديدة للبناء في المستوطنات، والواضح أن المسؤول الأميركي اكتفى بأخذ العلم، وربما يكون في طريقه لإقناع السلطة الفلسطينية بذلك، وفيما تمتنع رئيسة وفد المفاوضات الإسرائيلي تسيبي ليفني عن الإفصاح عن أية تفاصيل حول المحادثات، فإن الفلسطينيين يصفونها بأنها بالغة الصعوبة.
لايملك الجانب الفلسطيني غير الإصرار على وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى لاستكمال المحادثات، وبدون ذلك فإنها ستتحول إلى مفاوضات عبثية، تستنزف الوقت والجهد دون أي أمل بالوصول لأية نتائج إيجابية تخدم عملية السلام، قبل أن تخدم طموحات الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة، وقبل أن توفر للإسرائيليين الأمن بطريقة غير استمرار الاحتلال بطرق ملتوية وخبيثة، وإذا كان الجانب الإسرائيلي يتحصن بالدعم الأميركي لتمرير خططه، فإن الفلسطينيين يمتلكون أسلحة ماضية لم يستعملوها بعد، على أمل تحقيق مطالبهم بالطرق السلمية وعن طريق المفاوضات.
تُدرك حكومة نتنياهو ومعها إدارة أوباما، أن الفلسطينيين يمرون بمرحلة صعبة، نتيجة الفوضى التي تسود العالم العربي، والانقسام الناجم عن الانقلاب الحمساوي في قطاع غزة، وأنهم في أضعف حالاتهم، ولذلك يتصرفون بكل هذا التعنت، لكنهم يتجاهلون أن حركة التاريخ لا تتوقف، وأن ظرف الفلسطينيين الحالي مرشح للتغيير إلى وضع تفاوضي أفضل، قد تكون فيه الدولة العبرية في أسوأ حالاتها، ويتجاهلون أن التوصل إلى حل للمعضلة، يستوجب أكثر من موافقة القيادة، فهناك شعب يتوق لحريته، ولتحقيق طموحاته الوطنية، ورضاه مطلوب وأساسي وضروري لإنفاذ أي اتفاق.
مبادلة الأسرى بالاستمرار في بناء المستوطنات، معادلةٌ يجب العمل على أن تظل حبيسة في مُخيلة نتنياهو المريضة، حتى لو حظيت بدعم العم سام، فكلاهما ليس قدراً لايُرد.
المستوطنات مقابل الأسرى.. أي إجحاف؟
[post-views]
نشر في: 26 أكتوبر, 2013: 10:01 م