ما عادَ صعباً إثبات النسب كما هي الحال في الماضي عندما كان الأمر يتطلب الاستعانة بعدد من الشهود الثقاة والنسّابة المعترف بهم وبالمصادر التاريخية المعتبرة والمعوّل عليها، فبفضل تقنية "دي أن أيه" (DNA) التي تُترجم إلى العربية اختصاراً: الحمض النووي، صار الأمر يسيراً للغاية ولم يعد ثمة مجال لأي خطأ.
بالتأكيد لا طائل من الركون إلى هذه التقنية لإثبات أبوة القرار الأخير للمحكمة الاتحادية الخاص برواتب أعضاء البرلمان السابقين والحاليين، فالنجاح له آباء كثيرون في العادة فيما الفشل يتيم. وقد انطلق ماراثون ادعاء الأبوة لقرار المحكمة فور الإعلان عنه.
ومع ان معظم المشاركين في هذا الماراثون لم يحضروا أمس الى ساحة الفردوس للاحتفال بمناسبة ولادة "طفلهم"، وللالتزام بمواصلة الحملة لمكافحة أوجه ومجالات أخرى للفساد المالي والاداري في دولتنا، فلقد تُرك المحتفلون لمصيرهم في مواجهة قوة عسكرية غاشمة تجمّعت حولهم وضيّقت الخناق عليهم كما لا تتجمع حول الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة وتضيّق الخناق عليهم، فأرغمت المتظاهرين على اخلاء الساحة مع انهم لم يفعلوا شيئاً سوى التغني باسم العراق وبحب العراق والتلويح بعلم العراق.
كلهم -التيار الصدري ودولة القانون ونقابة المحامين والتنسيقيات وسواهم- هم آباء لقرار المحكمة الاتحادية، حقاً أو باطلاً. نقبل بهذا، فلا يهمّ من يكون الأب الحقيقي بعدما تحققت الولادة، وخرج الوليد سليماً معافى، كما يبدو للوهلة الأولى، لكن المهم الآن أن يواصل هؤلاء "الآباء" جميعاً ممارسة فحولتهم وإثباتها بتنظيم المزيد من الحملات والتظاهرات، للمطالبة بوضع حدّ لألف شكل وشكل للفساد المالي والإداري الذي ينخر كيان دولتنا ومجتمعنا ويلتهم فرص التنمية حاضراً ومستقبلاً ويتسبب في مفاقمة الإرهاب وتفشي العنف.
يهمنا أن نأكل العنب، لا أن نقاتل الناطور. وكما في قضية الرواتب التقاعدية للنواب وأصحاب الدرجات الخاصة، لا يتحقق ما يريد الشعب من دون حركة دؤوبة متواصلة ومتصاعدة تتضمن النزول الى الشارع وممارسة حق التعبير الحر عن الرأي.
سنراقب ما الذي سيفعله المتسابقون في ماراثون ادعاء الأبوة لقرار المحكمة الاتحادية، فيما اذا كان هؤلاء "الآباء" سيلامسون ما يتطلع اليه الشعب أم انهم سينكفئون كما فعلوا أمس في ساحة الفردوس.
نريد العنب.. لا قتل الناطور
[post-views]
نشر في: 26 أكتوبر, 2013: 10:01 م