TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أبناء الإخطبوط

أبناء الإخطبوط

نشر في: 27 أكتوبر, 2013: 10:01 م

كُتُب علم الأحياء تذكر ان التكاثر بين ذكر الأخطبوط وأنثاه يجري عن بعد أي من دون اتصال بين جسديهما، حيث يمد الذكر أحد مجساته الطويلة المنتهية بميزاب (مزراب) ويدخله في تجويف يؤدي إلى المبايض، وهناك يفرغ الذكر جرعات من حيواناته المنوية، وتقوم الأنثى بالاحتفاظ بها لعشرة أشهر، وذلك داخل غدة تقع بالقرب من المبايض، وعندما تجد الأنثى عشاً ملائماً يحفظ بويضاتها، تقوم بوضع البويضات الملقحة التي يصل عددها إلى 200 ألف بويضة فيه. وتبقى تحرسها وتتوقف عن التغذي، وتستمر عملية حضانة البويضات بين أسبوعين و11 أسبوعاً، ويعتمد ذلك بالطبع على درجة حرارة المياه. والمفارقة المثيرة ان أنثى الإخطبوط تتعرض للموت عقب هذه المدة لعدم حصولها على أية تغذية، ويقال أن الإخطبوطات الجديدة المولودة تكون يتيمة الأم، بمجرد خروجها من البويضات ورؤية نور الحياة، يتوجب عليها البحث عن غذائها باستخدام 3 شفاطات في كل ذراع أو مجس.
انهار العراق لا تعرف الإخطبوط ، وان وجد فيكون مكانه في متحف التاريخ الطبيعي او المراكز المختصة بدراسة علوم البحار ، ولكن اسم الكائن البحري وصفاته وقدرته على" الشفط" بواسطة مجساته ، وشكله وحركته ، أكدت حقيقة حضوره في المشهد السياسي ، ولإثبات هذه الحقيقة يشير أصحاب نظرية " الحركة الإخطبوطية في الحياة السياسية" الى وجود عشرات الأحزاب الدينية في العراق ، بعضها يشغل مقاعد في مجلس النواب ، ومنها من يعد طرفاً رئيسياً في الحكومة الحالية ، فضلاً عن امتلاكها قاعدة شعبية ، واستناداً الى حقيقة ان الحزب الديني وانطلاقاً من عقائده يمتلك القدرة على كشف الحرام والحلال ، والتفريق بين الحق والباطل ، فضلا عن تسخير كل جهوده وإمكانياته لنصرة المظلومين ، إلا انه لم يستطع ان يقف ضد استشراء الفساد في العراق ، وبطريقة تكاثر الإخطبوط ازدادت أعداد المفسدين .
وجود عشرات الأحزاب الدينية العاملة في الساحة السياسية العراقية يعني ان البلد خال من الفساد المالي والإداري ، وجهازه التنفيذي نزيه ، لان اغلب الموظفين الحكوميين ان لم يكونوا منتمين لقوى دينية فهم من اتباعها ، او مؤيديها ، الأمر الذي يعني ان العراق لم يرد في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ، وواقع الحال يكشف عن حقيقة أخرى تحتاج الى ثورة إصلاحية كبرى للقضاء على أبناء الإخطبوط المنتشرين في كل المؤسسات الحكومية ، وتناسلهم مستمر وبنجاح ساحق في ظل وجود بيئة مناسبة للتكاثر ، فيما يعاني العراقيون منذ سنوات مشاكل مستعصية من ابرزها ما يتعلق بالملف الأمني ، وتراجع الأداء الحكومي في تقديم الخدمات ، وانشغال ممثلي الشعب في البرلمان بسجال لم ينقطع ، حول مشاريع قوانين معطلة .
ظاهرة أبناء الإخطبوط تكمن خطورتها بوقوف جهات متنفذة وراءها تزعم وتدعي حرصها على تحقيق العدالة الاجتماعية وإرساء قاعدة بناء دولة المؤسسات ، ورفع المظلومية عن الشعب العراقي وإنقاذه من معاناة استمرت عشرات السنين ، أمام الأحزاب الدينية العراقية ولاسيما صاحبة التأثير في صنع القرار الحكومي فرصة إعلان البراءة من أبناء الإخطبوط ، انطلاقا وإيماناً بعقيدتها ورسالتها في تحقيق العدل على الأرض قبل حلول موعد يوم القيامة ويوم لاينفع مال ولا إخطبوط .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram