بات واضحاً أن الرئيس الجزائري العليل عبد العزيز بو تفليقه، مُتمسك بكرسي السلطة حتى النفس الأخير، فقد أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم رسمياً عزمة ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، رغم أن الرجل الذي حكم بلاده أكثر من أي رئيس آخر، أُصيب بجلطة دماغية استدعت نقله للعلاج في باريس، ليعود بعدها على كرسي متحرك، وغير قادر على تحريك يده اليسرى، ما دفع الكثيرين للتشكيك بقدرته على تولي مهام الحكم في البلاد، وحيث طالبت بعض أحزاب المعارضة بإعلان شغور المنصب وتنظيم انتخابات مسبقة، بسبب عجز الرئيس عن أداء مهامه.
بوتفليقه استبق الإعلان عن ترشيحه لفترة رئاسية جديدة، بإجراء تغييرات في المحافظين، شملت 19 محافظاً وكان أبرزها إقصاء محافظ العاصمة، كما أن الأنباء تتواتر عن نيته إجراء تعديلات دستورية، للحد من سلطة جهاز المخابرات، واستحداث منصب نائب الرئيس، ليقود حملته الانتخابية في حال لم تتحسن صحته للقيام بهذه المهمة، وذلك بعد شهر من تعديلات واسعة في الحكومة والمجلس الدستوري والمؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، وكان آخر ظهور رسمي لبوتفليقة في 30 أيلول الماضي، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، عُقد للمصادقة على قانون الموازنة، ولم يكن مُمكناً تغيير موعده، لأن ذلك يُعد خرقاً للدستور، الذي يُلزم الرئيس بالتوقيع على قانون الموازنة قبل حلول شهر تشرين أول من كل عام.
لم يكن بوتفليقه خلال فترة حكم بومدين، أكثر من ظل للزعيم الفولاذي، وبموته فقد أي حضور في الساحة السياسية، فاختار الإمارات منفىً استمر ست سنوات، قبل أن يستدعيه العسكر للترشح للرئاسة، باعتباره مدنياً بخلفية عسكرية، لكنه قابل بأن يلعب مجدداً دور الظل للقيادة العسكرية الحاكمة فعلياً، ما دفع كل المترشحين للانسحاب بحجة دعم الجيش له، ونية التزوير الواضحة، ورغم فوزه فإن شعبيته ظلت في مستوى منخفض، وسط جيل الشباب الذي لم يعرفه من قبل، وقد شهدت فترة رئاسته الأولى مشاكل سياسية وقانونية وأخرى مع الصحافة وخرق حرياتها، وفضائح المال العام وسياسة المحاباة في الحقائب الوزارية، والصفقات الدولية المشبوهة.
يسجل له تشريع الأمازيغية لغة وطنية، وهو من أصول أمازيغية، والبدء بإصلاح هياكل الدولة وتحديد مهامها، واتخاذ إجراءات استهدفت تحسين أداء الاقتصاد ، ما مكّن من دخوله مرحلة السوق، ورفع نسبة النمو الاقتصادي، كما عمل بحزم على إعادة الأمن والسلم والاستقرار، فعمل على وضع تشريع للوئام المدني حرص على تكريسه عن طريق استفتاء شعبي نال فيه المشروع أكثر من 98% من الأصوات.
لم يتمكن معارضوه بمن فيهم الإسلاميون حتى اللحظة، من الاتفاق على مرشح توافقي منافس، رغم بعض التحالفات غير المثمرة، فيما يعمل الحزب الحاكم مع حلفائه في السلطة على تعديل الدستور، رغم أن بنوده تسمح بترشح بوتفليقه لفترة رئاسية رابعة، بزعم أن الجزائر دولة ناشئة، وتحتاج إلى الكثير من الإصلاحات الحقيقة، حيث سيتم تحديد طبيعة النظام، وتوضيح الجهة المسؤولة عن محاسبة الجهاز الحكومي، ورغم أن الرجل البالغ من العمر 76 عاماً يشغل منصب الرئيس الشرفي للحزب الحاكم منذ 2005، غير أنه لا يشارك في اجتماعات الحزب الرسمية.
لا يختلف بوتفليقه عن غيره من "الزعماء" العرب، ولو استطاع لحمل كرسي الرئاسة معه إلى مثواه الأخير.
بو تفليقه .. حتى النفس الأخير
[post-views]
نشر في: 27 أكتوبر, 2013: 10:01 م