يبدو أنه في كل مرة لا بد من التذكير ببعض ما يمكن نسيانه فى ظل فوضى سياسية يتخيّل البعض أنهم يستطيعون خلالها أن يقفوا في طريق إصلاح الدولة وإعادة تنظيمها على أسس الحريات، أو الحفاظ على الحقوق فى إطاربناء دولة المواطن لا السلطات.
بناء دولة مؤسسات شيء، وخزعبلات البعض شيء آخر.. لان الناس ادركوا ولو متأخرين، أن سياسيي الصدفة أضاعوا فرصة تاريخية فى بناء مجتمع مزدهر.
هذه التفرقة مهمة فى هذه اللحظة التي يحاول خلالها البعض، ان يجني كثيراً من المنافع والامتيازات من اجل التغطية على انعدام الكفاءة أو الفشل.. وبدلاً من تطوير أو إصلاح المؤسسات الحكومية، تنطلق حملات غازية تجسّد شعاراً قاله وزير العدل حسن الشمري، فى آخر تصريح له: "نحن نريد تاسيس دولة اسلامية " متوهماً ان العراقيين قوم يعيشون في الجاهلية وان الرحمن عطف عليهم فارسل الشمري ومن قبله المشهداني لهدايتهم الى دين الحق.
لم يلتفت الوزير، إلى أن الدولة لاتدار بالتكليف الشرعي، وانما تدار بعمل مؤسساتي مهني.. الدولة لاتحكم بمزيد من القوانين التي تقيد حريات الناس وتشيع الفرقة بينهم، وانما تبنى بمزيد من الخبرات والكفاءات واحترام حريات الناس.. ماذا تريد وزارة العدل في بيانها الاخير الذي جاء فيه أن " الوزير قدم هذا القانون من واجب تكليفه الشرعي " متناسية ان بمثل هذه العقليات لا تتطور البلدان، لانها عقليات تربّت على مزيد من الحماية القانونية للانتهاكات، وبدلاً من الإصلاح والتطوير تبتز هذه العقلية الناس البسطاء بخطاب الدين والشريعة والطائفة المظلومة.
سنحاول أن نكون طيبين وساذجين ونصدق أن بعض المناصب إنما هي هِبة ينعم بها المسؤولون على العراقيين، وعليهم الحمد والشكر على هذه النعمة، وسنكون أكثر سذاجة ونصدق أن السعي للمنصب عند بعض السادة المسؤولين هو خدمة وطنية أكثرمما هو منفعة شخصية وبدليل أن المتقدمين للمناصب طالبوا بأن لا تخصص لهم رواتب عالية وان تحذف فقرة المنافع الاجتماعية، وان يقلص عدد الحمايات وان لا يطالبوا ببدل إيجار ولا مخصصات إضافية، وإنما سيعملون ليلاً ونهاراً لخدمة الناس وإرضاء رب العالمين، وسنكون أكثر سذاجة ونؤمن بأن بعض المسؤولين لم يهدروا المال العام بمشاريع وهمية ولم يفتحوا باب وزاراتهم للأقارب والأحباب ولم يغتنوا، وان عصرهم يمثل مرحلة ازدهار للدولة العراقية.
للاسف يريد البعض ان يوهم الناس بأنه مبعوث العناية الإلهية.. وان الله والدين معه.. وإنه حامي الشريعة.. وان الناس ستسأل عنه يوم القيامة..دون أن يخبرنا لماذا اختاره الله لهذه المهمة لوحده دون غيره من العراقيين؟.
إنه الدجل السياسي بصوره الحقيقية، وهو بالمقابل إعلان حقيقي عن عجز هؤلاء وفشلهم في تقديم أي شيء للناس، وهو إصرارعلى إشاعة الشعوذة السياسية باعتبارها برنامجاً لتطوير البلد!
يمكنني أن أفسر ما قاله بيان وزارة العدل باعتباره نوعاً من الميل الغريزي إلى الكوميديا، والضحك في أصعب المواقف وبغيرذلك أظن أنه من المرهق جدا محاولة فهم الخطوة التاريخية المباركة التي قرر الوزير “حفظه الله” اتخاذها من اجل اقرار قانون الاحوال الشخصية الجعفرية.
اعتقد أننا بحاجة اليوم إلى مسؤولين مختارين بإرادة الناس، موظفين نستطيع ان نحاسبهم في اي وقت.. ولسنا بحاجة إلى أشخاص يعتقدون أنهم مبعوثو العناية الإلهية لإصلاح حال العراقيين.. لأن الناس ضجرت من هذه الكوميديا السوداء.
في أيام المصاعب والمحن والمآسي يتطلع الناس إلى مسؤولين يقدمون نموذجاً في الدفاع عن مصالح الوطن، مدوّنين شهادتهم في التاريخ من أجل خير جميع البشر بكل طوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم.
السادة في وزارة العدل، رجاءً لا تطلبوا منا أكثر من طاقتنا.. فربما ننفذ أمركم في الصبر على بيانات الوزير بكل عنجهيتها وعبثها بالقانون والعدالة وآمال وأحلام الناس..ولكن لا نستطيع أن نهتف بالروح والدم لأي أحد.
لن نهتف بالروح وبالدم
[post-views]
نشر في: 27 أكتوبر, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
د.بهاء
قانون القضاء الجعفري مستحيل التطبيق اما قانون الاحوال الشخصية فهو الرسالة العملية لليعقوبي وهو محال التطبيق
ابو سجاد
كيف يريد بناء دوله اسلامية وهو يقوم بصنع صنم لمختار العصر والاصنام محرمة شرعا هذا اولاا ثانيا قد يكون الرجل جاهل بان العراق بلد اسلامي وعليه ان يقوم بنشر الاسلام فبه ثالثا لنفترض انه لم يجهل ان العراق بلدا اسلاميا وعليه ان يحيي الاسلام من جديد عليه اولا ا