شهدت منطقتا جبل محسن ذات الغالبية العلوية وباب التبانة ذات الغالبية السنية في طرابلس 18 جولة من المعارك منذ 2008، آخرها مستمر منذ 21 تشرين الأول/أكتوبر وقتل فيها 14 شخصاً. وفي كل مرة تنتهي الجولة بـ"توافق" على انتشار الجيش اللبناني، فيختفي السلاح....
شهدت منطقتا جبل محسن ذات الغالبية العلوية وباب التبانة ذات الغالبية السنية في طرابلس 18 جولة من المعارك منذ 2008، آخرها مستمر منذ 21 تشرين الأول/أكتوبر وقتل فيها 14 شخصاً. وفي كل مرة تنتهي الجولة بـ"توافق" على انتشار الجيش اللبناني، فيختفي السلاح.... ليظهر في الجولة اللاحقة.
ويقول الشيخ نبيل رحيم، أحد فعاليات المدينة الذي يلعب دورًا بارزًا في جهود التهدئة، إن أسباب العنف المتكرر هي "تداعيات الأزمة السورية، والاصطفاف السياسي الحاد بين قوى 14 آذار (مناهضة للنظام السوري) وقوى 8 آذار (ابرزها حزب الله حليف دمشق)، والاحتقان الطائفي".
الداعمون معروفون
ويوضح لوكالة فرانس برس من مكتبه في وسط طرابلس "في جبل محسن، معروف من يدعم بالسلاح والمال: ايران وحزب الله والنظام السوري. أما في باب التبانة، فالوضع معقد. الكل يحارب: من يقع منزله قريباً من محاور القتال، من ينتمي إلى الحالة الإسلامية، وغيرهم من أصحاب الانتماءات السياسية المتنوعة".
وتتنصل الزعامات والأحزاب السنية الأساسية من المجموعات المسلحة في باب التبانة، وتطالب بمدينة منزوعة السلاح.
وبدأت الجولة الثامنة عشرة خلال بث مقابلة تلفزيونية للرئيس السوري بشار الأسد، بسبب اطلاق نار ابتهاجًا انطلق من جبل محسن وطال باب التبانة، وبعد تفجيرين استهدفا مسجدين سنيين في طرابلس في 23 آب/أغسطس وقتل فيهما 45 شخصًا، وبينت التحقيقات القضائية تورط علويين فيهما، بالإضافة الى مسؤول أمني سوري.
واتهم سعد الحريري، ابرز الزعماء السنة، نظام الرئيس بشار الأسد بشن "حرب قذرة" على طرابلس "بواسطة أدواته المحليين".الا أن الحزب العربي الديموقراطي، ابرز ممثل للعلويين في لبنان، والذي يقاتل في جبل محسن، ينفي هذه الاتهامات.
ويقول المسؤول الإعلامي في الحزب عبد اللطيف صالح لفرانس برس إن سبب الجولة الأخيرة "التصريحات النارية لبعض المسؤولين غير المسؤولين في طرابلس"، في إشارة الى مهاجمة قيادات سنية طرابلسية الحزب العربي الديموقراطي بسبب التفجيرات الأخيرة ومطالبتهم بحله.
المعركة الأولى
ونشأ خط التماس بين جبل محسن وباب التبانة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ووقعت المعركة الأولى على خلفية نزاع سوري فلسطيني، بين جبل محسن الموالي لنظام الرئيس حافظ الأسد آنذاك وباب التبانة حيث السنة ومنظمة التحرير الفلسطينية.
في الثمانينيات، تحولت المواجهات بين العلويين بالوكالة عن السوريين وحركة التوحيد الإسلامية السنية، إلى حين دخول الجيش السوري المنطقة في 1986.
وامسك الجيش السوري بطرابلس حتى خروجه من لبنان العام 2005 بعد حوالي ثلاثين سنة من التواجد والنفوذ. وساد الهدوء خلال تلك الفترة بين باب التبانة وجبل محسن، وحصل اختلاط ومصاهرة وشراكات تجارية. وبعد انسحاب الجيش السوري تحت ضغط المجتمع الدولي وتوجيه أصابع الاتهام الى دمشق في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 2005، عاد التوتر الى المنطقة، وبعد ثلاث سنوات من المواجهات العسكرية.
ويقول غسان ريفي، مدير مكتب صحيفة "السفير" في طرابلس، والذي يغطي أحداث المدينة منذ 25 عاماً، إن هذه المواجهات تجسد في كل مرة "تنفيسًا لاحتقان إقليمي أو محلي. الجولة الحالية شعارها الاحتقان السوري السعودي".
ويقطن جبل محسن ستون الف شخص غالبيتهم من الطائفة العلوية، بينما يبلغ إجمالي سكان طرابلس حوالي نصف مليون غالبيتهم من السنة. ولم يتمكن فريق وكالة فرانس برس من دخول جبل محسن بسبب رصاص القنص الذي كان يقطع الطرق، فيما افاد مصدر أمني عن انتشار الجيش فيه لضبط الوضع.
في المقابل، وعند مدخل باب التبانة الشمالي في شارع سوريا الفاصل بين المنطقتين المتحاربتين، عمد مسلحون الاثنين الى وضع عوائق في وسط الطريق أمام عشرات آليات الجيش لمنعها من الانتشار.
ويشكك سكان طرابلس في فاعلية الإجراءات الأمنية.
نزع السلاح
ويقول رشيد الرشيد (47 عامًا)، صاحب محل تجاري في وسط المدينة، "اذا لم توضع خطة أمنية لنزع السلاح من الطرفين ستبقى الأمور فالتة"، مضيفاً "المسلح ومتعاطي المخدرات لا يملك مالًا ليشتري رغيف خبز، من أين يأتي بالسلاح؟". واتهم "السياسيين بتمويلهم".
وتعتبر مناطق باب التبانة والأحياء المحيطة بها من افقر المناطق اللبنانية، ما يجعل تطويع مقاتلين فيها مقابل مبالغ زهيدة أمراً شائعًا. وغالبًا ما يكون هؤلاء من المهمشين والخارجين عن القانون.
ويقر رحيم بأن بعض المقاتلين في باب التبانة "يحاربون فعلاً للدفاع عن انفسهم، لكن البعض الآخر تتحكم بهم غرائز طائفية أو مناطقية، أو مصالح مادية، مثل الذين يرفضون وقف النار حتى يأتي من يدفع لهم ثمن كل الذخيرة التي استخدموها".
ويعرف أبناء طرابلس بالأسماء والوجوه من يسمونهم "قادة المحاور" في باب التبانة. ويعرفون من أي زعيم محلي أو "جهة خارجية" يتقاضى كل منهم الأموال، ويؤكدون أن معظم هؤلاء تتقلب ولاءاتهم بحسب الجهة الممولة. كما يتحدثون همساً عن "صراع أجهزة" داخل المدينة.
وفي هذا الاطار، يتهم أبناء باب التبانة والقبة وجوارهما من المناطق السنية مخابرات الجيش اللبناني بالتواطؤ مع جبل محسن، بينما يحمل زعماء جبل محسن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي مسؤولية "تركيب التهم" لأبناء الجبل العلويين
وسط كل هذه التعقيدات، يبدو كل حل على المدى القريب للوضع في باب التبانة وجبل محسن شبه مستحيل.
ويقول رحيم: "لا حل إلا اذا انتهت الأزمة السورية وحصلت مصالحة وطنية وتوقف الدعم المالي الموجه لشراء السلاح".