هل أسفر اتفاق الكيماوي السوري عن تغييرات جذرية في سياسات دول الإقليم، من قبيل التقارب العراقي التركي المفاجئ، والجفاء السعودي المُعلن تجاه حليفها الأقدم في واشنطن، سؤال يطرحه تصريح وزير الخارجية التركي، حول أن الحل السياسي هو الوحيد الممكن للأزمة السورية، وتعهده بحث المعارضة السورية على المشاركة في جنيف الثاني، باعتباره مؤتمر الحل، وخشبة الخلاص لكل المتورطين في المستنقع السوري، بعد أن كان الداعم لفتح حدود بلاده أمام كل "الجهاديين"، الطامحين لإسقاط نظام الأسد وتحويل سوريا إلى إمارة إسلامية، أو دولة فاشلة، ما أثّر سلباً على قوى الثورة السورية الوطنية، وترك الصدارة لداعش والنصرة.
هل فشلت رهانات أنقرة على قيادة المنطقة، وسقط رهانها على أنظمة ما بعد الربيع العربي، فبات العراق اليوم عامل توازن واستقرار، ومشروع صديق وحليف، وقبلة أنظار تتجه إليها عيون المسؤولين الأتراك، ووجد أردوغان نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، إما التوافق مع السياسات الكونية، وأبرز عناوينها التوافق الروسي الأمريكي، أوالحرد وإدارة الظهر للواقع، الذي يفرض عليه القبول بالجلوس الى مائدة التفاوض في جنيف، بديلاً للتهديد والوعيد الذي كان يملأ الفضاء ضد الأسد ونظامه.
يرى البعض أن الدليل على التحولات الجذرية، الناجمة عن اتفاق الكيماوي، وما تبعه من تقارب واشنطن وطهران، يتمثل فيما أعلنه وزيرا خارجية تركيا والعراق، حول فتح صفحة جديدة بين البلدين، تنسخ ما كان سائداً من توتر وتراشق إعلامي، واتهامات متبادلة، ليس أٌقلها اتهام أردوغان لحكومة المالكي، بالانحياز لنظام الأسد على أسس طائفية ومذهبية، واحتضان أنقره لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المحكوم في بغداد بالإعدام بتهم الإرهاب، إضافة لغضب بغداد المُعلن من إبرام أنقره عقوداً نفطية مع إقليم كردستان، دون موافقة الحكومة الاتحادية، ما عدّه المالكي تهديداً لوحدة العراق، وخروجاً على القانون الدولي.
المؤكد أن اتفاق الكيماوي، كان بداية انطلاق مرحلة جديدة في تاريخ وجغرافيا المنطقة، ما دفع الجميع لمحاولة تدارك التداعيات المُحتملة، قبل خروجها عن نطاق السيطرة، وقبل الشروع في رسم خرائط جديدة، قد تشمل العراق وتركيا وسوريا، لعلها توقف نزيف الدم في بلاد الشام والرافدين، وتمنع داعش من تهديد تركيا، بعد أن باتت تقيم على حدودها، وتجد لها أنصاراً من معارضي أردوغان، غير أن من المبكر التكهن بما سيكتب في صفحة العلاقات العراقية التركية الجديدة، قبل أن تتضح الصورة في بلاد الشام، والمدى الذي قد تتصاعد له حفلة الغزل بين طهران وواشنطن.
في المشهد الراهن نلحظ حالة الجفاء التي أعلنتها الرياض تجاه واشنطن، وما يبدو اتجاهاُ لتحالف جديد تقوده السعودية، وتشارك فيه الأردن والإمارات، بحسب المؤشرات الواضحة، وهي دول ظلت دائما على وفاق مع الولايات المتحدة، وإن لم تُعجبها السياسات الأميركية في بعض المفاصل، وإذ يشكك البعض بإمكانية واشنطن في التخلص من هذه الأنظمة، إن استمرت في معاندتها، فإن آخرين يشيرون إلى فشل الإدارة الأميركية في تغيير النظام السوري، أو الحفاظ على حكم الإخوان في مصر، أو حتى القدرة على التأثير فيما يجري في اليمن.
وبعد فإن إعلان تركيا على لسان وزير خارجيتها، إمكانية حل المشاكل مع دول الجوار بالحوار، يعني أن هناك تغييراً في المواقف التركية، واذا طوت بغداد وأنقرة الصفحة المريرة بينهما، وتنامى الجفاء بين واشنطن والرياض، وسرى الدفء في عروق العلاقات الأميركية الإيرانية، فإن مشهداً إقليمياً جديداً في طريقه الى التشكل، وهو أمر يبدو أن على الكثير من الذين راهنوا على الواقع المهتز، إعادة النظر في سياساتهم، والبحث عن مواقعهم في الجغرافيا الجديدة للمنطقة.
هل يُغيّر الكيماوي الجغرافيا؟
[post-views]
نشر في: 29 أكتوبر, 2013: 10:01 م