بابلو بيكاسو الفنان التشكيلي هو الآخر ملأ الدنيا وشغل الناس، فناً وموقفاً وحياة مثيرة مع رجال ونساء عصره، وسيبقى هكذا لأنه فنان القمة في العصر الحديث وصاحب مقولة: "أنا لا أبحث، أنا أجد".لبيكاسو حضور مهم ومؤثر في بريطانيا، سواء في المعارض التي أقامها
بابلو بيكاسو الفنان التشكيلي هو الآخر ملأ الدنيا وشغل الناس، فناً وموقفاً وحياة مثيرة مع رجال ونساء عصره، وسيبقى هكذا لأنه فنان القمة في العصر الحديث وصاحب مقولة: "أنا لا أبحث، أنا أجد".
لبيكاسو حضور مهم ومؤثر في بريطانيا، سواء في المعارض التي أقامها هنا منذ بداية القرن المنصرم (منذ عام 1910) أو في حياة وتجارب فنانيها التشكيليين المعروفين أمثال: دانكان غرانت وويندام لويس وبين نيكولسن وهنري موروغراهام سثرلاند وديفيد هوكني.
أول عرض لأعمال بيكاسو في بريطانيا كان في تشرين الثاني (نوفمبر) 1910 في غاليري (مانيه وما بعد التعبيريين) نظمه وأشرف عليه الناقد روجر فراي - غاليرهات غرافتن - حيث شارك بيكاسو بلوحتين وبضع رسومات وأعمال مطبوعة، على أن تكعيبياته المبكرة أثارت النقاد الذين تناولوها في الصحافة وحظيت بنقاش حماسي واسع.
أقام بيكاسو، بعدها، معرضاً شخصياً، كان مثار اهتمام النقاد والمتابعين نظمه فراي، أيضاً، عام 1912 في غاليري ستافرود، ومن بينهم الكاتب البريطاني فرانك روتر الذي سبق له التعرف على الفنان في باريس وزاره في مرسمه الشخصي.
نخبة من المثقفين والفنانين البريطانيين من المعجبين والمؤيدين لبيكاسو تعاونوا مع مجموعة (بلومسبري غروب) التي كانت تضم عددا آخر من النقاد والمثقفين والفنانين خصوصاً فراي، نفسه، وزميله الناقد كليف بيل، ما وطَّد مكانة بيكاسو في عالم لندن الفني وروج لإبداعه.
عند (غرافتن غروب) عرض فراي في كانون الثاني (يناير) 1914 لوحة (رأس رجل) التي اشتراها مؤخراً، وصور فوتوغرافية لأعمال جديدة أنجزها بيكاسو، وبينما الحرب العالمية الأولى على وشك أن تندلع، لم يزل ثمة وقت يتيح لبيكاسو أن يعرض أعمالاً أصلية، من جديد، في بريطانيا.
آخر معرض أقيم لبيكاسو في العاصمة البريطانية، في (تيت غاليري) أقيم في الفترة بين 4 نيسان (أبريل) 2012 – 9 أيلول (سبتمبر) 2012 انطلاقاً من فكرة فنية مبتكرة تتلخص في عرض لوحات لفنانين بريطانيين تأثروا به، واستلهموه فكراً وأسلوباً، بشكل واضح جداً، إضافة إلى لوحات لبيكاسو نفسه، حتى يكاد المعرض أن يكون معرضاً شخصياً لفنان واحد (بيكاسو) وليس لمجموعة فنانين هم (*):
دانكان غرانت (1885 – 1979): أمضى فترة ليست بالقصيرة من حياته بباريس تعرف خلالها على بيكاسو شخصياً، من خلال صديقين هما من أفضل جامعي التحف ليو وغروترود شتاين (الكاتبة الأمريكية المعروفة) عام 1912 وفي شقة شتاين شاهد غرانت بعض لوحات بيكاسو بينها (نساء أفنيون). اقتبس غرانت الكثير من تجربة بيكاسو وتأثر بطريقته بشكل واضح لفترة من الزمن.
ويدام لويس (1882 – 1957): عاش لويس بباريس سبع سنوات شهد خلالها التغييرات الجوهرية في الفن هناك، ولم يعرف عنه ما إذا التقى بيكاسو أم لا. لكنه وصف إنجاز بيكاسو بأنه: وضع الفن تحت غيمة، وأضاف: (ما رأيته هو مجموعة رائعة وبارعة رغم شخصية بيكاسو المحبطة عاطفياً وغير الفعالة).
الجانب العدواني والساخر في موقف لويس من بيكاسو ظهر في (ليستر غاليريس – لندن، نيسان، أبريل 1921) بعيد أسابيع قليلة من إقامة أول معرض لبيكاسو، ما بعد الحرب، في لندن.
بن نيكولاس (1894 – 1982): تعرف على أعمال بيكاسو بداية عام 1920 في غاليري بول روسنبيرغ، التي وصفها بأنها فن تجريدي محض، وهي أعمال أنجزها بيكاسو عام 1915 حيث "الأخضر الإعجازي" وإنها "حقيقية وعميقة جداً" حسب وصفه، لينجز نيكولاس تجريداته الخاصة، فيما بعد، على شكل "طبيعة صامتة" ولكن تحت تأثير التكعيبية.
زار نيكولاس، بصحبة النحاتة باربرا هيبورث، بيكاسو في باريس عام 1932 وخلال هذه الفترة اقتبس نيكولاس عناصر التكعيبية كزخرفة ديكورية (تزيينية) ونقاط تلوين وخطوط وأشكال ومواد إضافية كالرمل ليمنح لوحاته حضوراً فيزيقياً، على أن التقنيات، كلها، مستوحاة من المعلم: بيكاسو.
هنري مور (1898 – 1986): عرف كأبرز فنان بريطاني بين مجايليه، وملهمه كان بيكاسو منذ عام 1924، عندما كان يضع فرشاته على الكانفاس وعينه على بيكاسو.
بينما كان كلا الفنانين مدينين للأفارقة والتقاليد اللاغربية، فإن كلاسيكية بيكاسو الجديدة بواكير العشرينات من القرن الفائت عززت اهتمام مور بالتراث الإغريقي – الروماني ونحت عصر النهضة.
تعرف مور على عنصر التوتر في اشتغالهما التشكيلي بين التقاليد الشرق الأوسطية وما يطلق عليه (المصادر البدائية).
انعكس الجسم الإنساني، خصوصاً المشاهد الإيروتيكية، في سلسلة أعمال مور في فترة منتصف الثلاثينات من ذاك القرن، بينما كان الإثنان، حينها، من الرافضين للسوريالية.
فرانسيس بيكون (1909 – 1992): ترينا الأعوام 1933 – 5) كيف أن بيكون كان مدركاً أهمية الجسم البشري، كبنية تشكيلية، انطلاقاً من أعمال بيكاسو، وكفنان حداثوي استغرق التكوين الجسدي وسلطته التعبيرية الكامنة في تحريفه، بقي بيكاسو المفتاح والبؤرة المرجعية لبيكون، وحتى وفاته ظل بيكون يضع بيكاسو إلى جانب رامبرنت وفيلاثكيث.
غراهام سثرلاند (1903 – 1980): هو الفنان التشكيلي البريطاني الذي جمع، معاً تقاليد المنظر الطبيعي الإنكليزي والابتكارات الجديدة في الحداثة الباريسية، خصوصاً التجربة البيكاسوية.
فنان مدين للغورنيكا في ما تعلمه "كنوع من إعادة صياغة تمظهرات الأشياء لتبدو أكثر حيوية وحقيقية".
عند نهاية ثلاثينات القرن الماضي أنتج هذا الرسام سلسلة أعمال تعتمد على موضوعات موجودة في الريف، مثل جذور الأشجار والأغصان التي تتغير إلى حضور رمزي، استعاري عبر وضوح عذاباتها وقلق حضورها ملائمين لعالم ينحدر نحو الحرب.
زار سثرلاند مدينة أنتيب، جنوب فرنسا، حيث أنجز بيكاسو هناك عدداً من أعماله، وأشترى هناك منزلاً ليصبح صديقاً للكاتب وجامع اللوحات التكعيبية دوغلاس كوبر الذي من خلاله تعرف على بيكاسو شخصياً.
ديفيد هوكني (1937 - ؟): فنان تشكيلي آخر جعل من بيكاسو مصدر إلهامه منذ وقت بعيد. منذ كان طالباً عام 1960 قام بزيارات عديدة إلى التيت غاليري، بلندن، وفيه تعلم أن الفنان لا يحتاج إلى أن يتمسك بنمط فني واحد، وبعد موت بيكاسو عام 1873 أنجز هوكني عملين إجلالاً لرحيل ملهمه، تبعهما بأعمال أخرى منذ السبعينات يعود تأثرهما ببيكاسو، واستمر تأثير بيكاسو على هذا الفنان، خصوصاً، أعماله المتأخرة، وظلت التكعيبية أحد أهم مصادره.
(*) بروشور المعرض المذكور.