هذه المرأة المنحدرة من أسرة ريفية كغيرها من ملايين العراقيات ، قدر لها ان ترتبط برجل سياسي ، كان منتميا لحزب تنظر له السلطات المتعاقبة، بانه يشكل خطرا عليها لما يحمل من أفكار تدعو الى تحقيق العدالة والمساواة ، ورفع المستوى المعيشي لأبناء الشعب بتوزيع ثرواته بالتساوي ، وإلغاء الفوارق الطبقية .
زكية لم تكن تجيد القراءة والكتابة ، ولكنها كانت تؤمن ببعض أفكار حزب زوجها ، وخاصة المتعلقة بمحاربة الظلم بكل أشكاله ، فتفهمت أسباب ملاحقته وزجه في سجن الكوت ثم اختياره الاختفاء في قرية جنوبية بعد الإطاحة بالزعيم عبد الكريم قاسم ، أنجبت من زوجها ستة أبناء واربع بنات ، وتحملت أعباء معيشتهم في ظروف اقتصادية قاسية جدا بغياب الأب، وكانت حريصة على مواصلة دراستهم ، إيمانا برسالة الزوج التربوية .
تركت الأحداث السياسية في العراق آثارها على صحة المرأة فأصيبت بأمراض مزمنة ، ومع حصول استقرار نسبي في الأوضاع العامة في البلاد ، وعودة الزوج لوظيفته وممارسته العمل السياسي في أجواء ما كان يعرف بالجبهة الوطنية مطلع عقد السبعينات ، لم تعترض على اقتفاء كبار الأبناء اثر الأب في طريق العمل السياسي ، لكنها في بعض الأحيان كانت تعبر عن قلقها من المستقبل ، فهي تخشى من المجهول ، ولطالما دعت في صلاتها وأثناء زيارة المراقد الدينية ان يجنب الله العراقيين كل مكروه ، ويبعدهم عن الأيام السود .
المخاوف من المجهول تحققت ، عندما شهد العراق صفحة أخرى من الصراع السياسي ، نتيجة تقاطع المواقف حول تحقيق الديمقراطية في البلاد ، وبروز نزعة هيمنة الحزب الحاكم على السلطة ، حققها بملاحقة معارضيه ومطاردتهم وفي بعض الأحيان تصفيتهم ، ومن هذه الممارسات فقدت زكية ابنها الفنان التشكيلي والمصمم الصحفي سامي حسن العتابي زوج الإعلامية منى سعيد ام يمام المقيمة حاليا في دولة الإمارات ، وفقدت أيضا ابنها الآخر صفاء عندما قرر نهاية عقد السبعينات الذهاب الى إقليم كردستان ومن هناك الى الخارج .
في الرابع من تشرين الثاني في العام 2002 فارقت زكية حسين الكركوش الحياة نتيجة تعرضها لأمراض مستعصية ، لم يستطع طبيبها الدكتور حكمة الشعرباف منحها عدة اشهر زيادة في عمرها لعلها تحقق أمنيتها بلقاء فقيدها ، والدكتور كان هو الآخر يشاركها محنة فقدان ابن شقيقته الفنان المسرحي عادل محسن.
في مقبرة دار السلام بمحافظة النجف تحقق اللقاء الافتراضي ، فضم شاهد قبر المرأة المجاور لقبر زوجها حسن العتابي اسم ابنها سامي وتاريخ غيابه ، فلخصت زكية حسين الكركوش تفاصيل المحن والفتن في تاريخ العراق السياسي الحديث ، وكأنها لا تريد التخلي عن قلقها وهواجسها ومخاوفها على مستقبل العراقيين من المجهول ، وتلك رسالة أمي ، او هكذا يعتقد من وقف أمام قبرها ، وقرأ الشاهدين .
زكية حسين الكركوش
[post-views]
نشر في: 5 نوفمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 7
ابراهيم
كل الإجلال لذكراها العطرة حق لك الفخر بل ويحق للعراق المدمى اليوم ان يفخر بهذه الام وبكل شقيقاتها الباسلات لك المودة
مهند
رحم الله والدتك في ذكرى وفاتها الحاديه عشر، إن عشرات الالوف من الامهات العراقيات لا زلن يتشحن بالسواد على ازواجهن و ابنائهن و اخوانهن المقتولين و المغيبين و المفقودين، ولا نعرف متى يمكن للابتسامه ان ترجع لشفافهن، نأمل ذلك بالمستقبل القريب.
عدنان الظاهر
أحسنتَ عزيزي الأستاذ علاء حسن ... إخترقت مقالتك المؤثّرة شغاف قلبي فالراحل حسن العتابي ( أبو جمال ) زميل عزيز فضينا عدة أعوام معاً نحرر صفحة التعليم والمعلم في جريدة طريق الشعب أواسط سعينيات القرن الماضي مع نُخبة من أخيار المربين من أمثال المرحوم صاحب حدّ
منى سعيد
الرحمة لشهدائناالابرار وللحاجةام جمالوقد خلدت بنضالها وبانجابها ابناءخلصوا للوطن وافتدوه بارواحهم.شكرا لهذا المقال المؤثر الذي ينكأ الجراح التي لم تجف اصلا في عراقنا المرتبك المتلعثمقد نسى او تناسى تماما اي معنى للاستقرار والسلام والعيش الهانيء. العزيز د.
مناف جون العتابي
رحم الله هذه المرأه الجليله النقية المعشر وصاحبة الابتسامه الجميله التي كانت اما للجميع
سعد هاشم
تحية اجلال وتعظيم للمرحومه وللاستاد المرحوم ابوجمال وللعائله المناضله الكريمه التى تشرفت مدينة الحريه باحتضانحها في سنوات المحنه قبل انتقالها للسيديه وكانت مثالا راقيا ورائعا للعوائل المناضلة التي عرفت في منطقتنا في حينها وحفظ الباري الباقين من ابنائهاوبا
سعد كركوش علي حسين
تحية اجلال واحترام لكل شهدائنا الابرار الذين رسموا طريق الحرية للاجيال القادمة وسنمظي الى ما نريد حتى تحقيق الاهداف الانسانية السامية