في أواسط السبعينات حدثني معلم كان زميلا لي في مدرسة نعمل بها سوية، عن انه التقى بعراقي خلال سفرته الأخيرة الى بولندا. قال لي انه بالصدفة مر على اسمي أمام ذلك العراقي فأجابه انه يعرفني لأني كنت معلما عنده. عبّر زميلي عن امتعاضه الشديد من تعبيره المتغطرس واخبرني بانه رد عليه: تقصد انه كان معلما معك أو في المدرسة التي أنت تديرها، أليس كذلك؟ شرح لي المتحدث بان تلك واحدة من الصفات المرضية الغريبة التي يصاب بها من تناط به مسؤولية مؤسسة ما.
تذكرت ذلك الحديث يوم ظهر صدام حسين في المحكمة وهو يقول للقاضي باني رئيسك. القصد انه يريد أهانته وكأنه يقول له انك عبد وانا سيدك. ظننت بوقتها ان تلك الخصلة صناعة عراقية صرفة. فنقد المدير مثلا او كشف مكامن فساده عيب! الغريب أن من يقول ذلك تجده، في مناسبة او بدونها، يردد "قل الحق ولو كان على نفسك".
كنت انتظر محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بشغف. ورغم انها لم تنقل على الهواء الا ان أول خبر تسرب من المحكمة قول مرسي للقاضي: "أنا رئيسك ولا يحق لك محاكمتي". بسبب ذلك جاء بالمانشيت العريض على جريدة الوفد "مرسي يختار نهاية صدام". انها خصلة ليست عراقية فقط، كما ظننت، بل يبدو انها متأصلة في النفس العربية.
أتمنى ان لا أخطئ لو قلت ان محكمة مرسي هي الأول من نوعها لحاكم إسلاموي في عصرنا الحديث. توقعت ان اسمع فيها شيئا مختلفا خاصة وان الإسلامويين يدّعون ان مرجعهم الإسلام سنة وقرآنا. وتوقعت أيضا ان تكون المحكمة فرصة له، كإسلامي، ليثبت بها احترامه للقضاء كسلطة عليا وليرينا أيضا ان التواضع واحد من بين أهم صفات الرسول التي جعلت أهل مكة يتقبلون رسالته. أما كان الخلفاء الراشدون تسوقهم الرعية للمحاكم؟ فهل كان الخليفة يرد على القاضي: انني "خليفتك" ولا يحق لك مقاضاتي، مثلا؟ ألم يقرأ هذا الذي "شاف ما شاف"، ومثله عندنا كثيرون، أن علي بن أبي طالب وهو أمير المؤمنين تنازع مع يهودي على درع، فاحتكما إلى القاضي شريح، الذي قال: "يا أمير المؤمنين هل من بينة؟" قال: "نعم الحسن ابني يشهد أن الدرع درعي"، قال شريح: "يا أمير المؤمنين شهادة الابن لا تجوز"، فقال علي: "سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟" رد عليه شريح "يا أمير المؤمنين ذلك في الآخرة، أمّا في الدنيا فلا تجوز شهادة الابن لأبيه". فقال علي: صدقت.
ثم إيه حكاية انا رئيسك دي؟ كما تساءلت إحدى المصريات. من عاش في العالم المتحضر يعرف ان الرئيس يرأس سلطة وليس الناس. ولا يرى الإنسان، مهما كانت مكانته، عبدا الا من كان هو عبدا للسلطة. انك كبير الخدم يا سي مرسي، وكبير القوم خادمهم يا باشا.
أنا رئيسك!
[post-views]
نشر في: 6 نوفمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
المدقق
حتى المصريين ما خلصوا من لسانك .. عمي دجوز عاد انت انكريييييييييييييييييييييييزي وميحقلك تتدخل بشؤون العرب .. افتهمت لو ؟؟؟؟؟؟؟؟ ....
نسرين محمد
الاستاذ هاشم العقابي المحترم ان سبب خراب العراق والذي يحصل فيه الان هو المؤسسه الدينيه بفرعيها السني والشيعي كما تعرفون وانت سيد العارفين بهذا لماذا لاتتوجه الصحافه للاشاره الى هذه المؤسسه التي تستطيع ان توقف زيادة عدد مقاعد البرلمان ولاتستطيع ؟ ان توقف ا
شمس بغداد
مقالة حلوة ياريس عاشت ايدك