TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الصدر وأميركا

الصدر وأميركا

نشر في: 6 نوفمبر, 2013: 09:01 م

صيف ٢٠١٠ كتبت سلسلة مقالات عن التيار الصدري الذي "نهض من تحت الرماد" وسرق الاضواء في ملف تشكيل الحكومة. وأسجل للاعلام الاميركي بالذات، انه شجعنا على الاهتمام بـ"الولادة الجديدة" لهذا التيار الجماهيري، حيث ظهرت يومها اعمدة رأي وتقارير في كبريات الصحف الاميركية، تدعو المراقبين الى رصد "الخطوات المعتدلة" لنحو ٤٠ نائبا في البرلمان يدينون بالولاء لمقتدى الصدر، ويحاولون تخفيف الانقسام الطائفي.
كتبت يومذاك مقالا بعنوان "لابد من سلام بين الصدر وأميركا". وعرضت بديهتين: الاولى، ان التيار الصدري ضارب في اسس المجتمع برسوخ اسرة الصدر، ولا يمكن ان نتخيل غياب تأثيره. والثانية ان الولايات المتحدة ستظل طرفا مؤثرا في العالم والشرق الاوسط، وان كل الاطراف التي تحتفظ اسرة الصدر بعلاقة طيبة معها وشراكة سياسية، تفاوض اميركا وتحاورها. وكنتيجة واضحة لهذا فإن "السلام" بين الصدر وأميركا، امر تتطلبه مصلحة العراق بشدة.
وقبل ثلاث سنوات ايضا كنت اشترك في حلقة نقاشية نظمها السفير الاميركي السابق في بغداد، جيمس جيفري، وتحدث عن رؤيته لرقعة الشطرنج العراقية، فسألته كيف راقب عودة الصدر القوية يومها الى البرلمان، فأجاب بعصبية: تيار الصدر لا يفهم الا منطق الصواريخ! قلت له: انه تيار شبابي يتطور، ولديه كبرياء جرته الى السلاح، تماما كما انجر الى السلاح اهل نينوى والانبار وجرى استيعاب ادوارهم لاحقا بتشجيع اميركي. وحاولت جعل السفير يعترف بأن الصدر اليوم لا يحتاج السلاح، مع كل الممكنات السياسية التي يستعرضها، وأن مواقفه المهمة تلزمنا بتثمينها. السفير علق على كلامي قائلا: كنت دبلوماسيا اتابع اعادة الاعمار في العراق عام ٢٠٠٥، وتعاملت مع الصدريين في مجالس المحافظات، وكانوا شبابا متحمسين، وليس هناك عداء شخصي، ودوما يمكن ان نعيد تعريف مواقفنا داخل العراق وخارجه.
وقبل شهر نظم الانثروبولوجي العراقي الدكتور هشام داود حلقة نقاشية في معهد الشرق الادنى الفرنسي، لبحث المسألة النفطية في العراق، وكان الامين العام لكتلة الاحرار الدكتور ضياء الاسدي محاضرا فيها، وكان الجميع يسأل: ما رأي ممثل الصدر في المصالح التجارية القائمة بين العراق وعمالقة النفط الغربيين؟ ضياء المعروف بقربه من الصدر، وحنكته، اجاب بأريحية: كل جهة يمكنها ان تحقق مصالح العراق، مرحب بها، ونحن نميز بوضوح، بين اعتراضنا على سياسات الادارة الاميركية، والشركات الاميركية وشعب الولايات المتحدة. اجابة الاسدي، تركت انطباعا طيبا (ومفاجئا للحضور الدولي)، وراحت (مثل مواقف كثيرة اخرى) تبدد صورة رائجة عن التيار تصوره راديكاليا معاديا لكل ما هو غربي او غير اسلامي.
الصدريون ليسوا طرفا يمكن نسيانه في المعادلة العراقية. والاميركان طرف لا يمكن تجاهله في كل العالم. وفي آخر لقاء لي مع السيد مقتدى الصدر قلت له: سيدنا، "حتى لو تزعل مني"، لكن التفاوض مع الاميركان من مصلحة العراق، وانتم تيار نحتاجه جميعا، بوصفكم داعمين للتعدد السياسي واللامركزية، ونقدر خطوطكم الحمر وموقفكم من الاحتلال، لكن مصالح العراق فوق كل شيء، ومن حق المقدرين لاهمية تياركم، ان يطلبوا فتح "صفحة جديدة حذرة" بين الصدر واميركا، وهي لا تعني ابدا ان نستسلم لسياسة البيت الابيض، بل تفتح حوارا ايجابيا لبحث القضايا المهمة، وكي لا يأتي السيد نوري المالكي بكل اخطائه وخطاياه، ويقول لواشنطن انه هو "الطرف الوحيد المعتدل" في سياسة العراق الخارجية مع الغرب.
الصدر لا يحتاج الى سلاح ولذلك فهو يقول للمالكي في بيانه الاخير، ان العراق لا يحتاج الى سلاح بقدر حاجته للتصالح الداخلي، في كبح العنف. ويمكن للتيار الصدري ان يعترض على واشنطن، كما تعترض ألمانيا وماليزيا والسعودية، دونما تحريم للعلاقة، او قطيعة وتلويح بالعنف، وهو امر يستغله الاخرون بخبث.
لقد نجح الصدريون في تنضيج علاقاتهم الداخلية بأسلوب مشرف. والتحدي اليوم نقل البراعة ذاتها الى علاقاتهم الخارجية. ولا تنقصهم في هذا حيلة او مهارة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 10

  1. المدقق

    نعم ياهند انه النفاق والاعتناق .....

  2. ضياء العراقي

    لم يخفى على الجميع التحول الكبير في مواقف التيار الصدري و زعيمه خلال السنوات و الاشهر الاخيرة والتي باتت تلقى كل التقدير والاحترام من مختلف الطوائف العراقية ولم يخفى ايضا ما عاناه التيار الصدر و زعيمه من شتم وسب و تهم بالخروج عن الدين والمذهب ..... الخ (

  3. فاضل

    لا تسمعوا له انه كذاب يريد بك الششقاق والضعف لا يحب التيار ولايحب المالكي

  4. هاشم الملاح

    اعتقد بان السيد مقتدى الصدر برفضه التفاوض مع الامريكان ياتي من جانب تخوفه من الداخل بانه ضعيف ويذهب الى الاستسلام خاصة بالنسبة للجماهير العراقيه التي تجد بالصدر انه الوحيد الذي يقف بصرامه مع الامريكان وهذا مايجده الصدر خسارةاذا ماكان سلبي من قبل حتى اتباع

  5. هاشم الملاح

    الصدريون وهنا اقصد السيد مقتدى الصدر يفكر بتمرير الوقت على شكل هدنه بينه وبين المالكي في الوصول الى الانتخابات وماستفرزه من نتائج هو يراهن عليها من خلال بياناته الاخيره وماتحتويه من خطاب يشكل خطرا على المالكي الذي لايجد تفسيرا لها سوى عزله ببديل لايقل اه

  6. مزهر الطرفة

    الاستاذ سرمد لقد دخلت علينا فجأة انت والاخ الاستاذ فخري كريم واقتحمتم علينا معاضلنا التي نعيشها يوميا وليست خلوتنا لانه ليس هناك عراقي شريف وغيور ووطني يعيش لحاله دون ان يحمل هموم الوطن الثقيلة التي كسرت ظهر الجميع ارجو ان تبقى متمسكا بالخط الذي رسمته لن

  7. ابو سجاد

    وهذا ماحدث بالفعل استاذ سرمد ان التيار منذوقت طويل غير من نهجه وكانت بدايته على مااظن منذ تجميد جيش المهدي بعدما شوهته مجاميع دخيله عليه وللاسف لحد الان لاتزال بعض المجاميع تدعي انها من التيار ومسيطرة على اغلب دوائر الدولة ولكن التيار منتبه لهذه الحالة وي

  8. سلمان الجبوري

    انا من المعجبين يطروحات الاستاذ سرمد واحرص على متابعة نفاشاته التلفزيونيه وانا اشاطره الراي من ان دور التيار الصدري في العمليه السياسيه هو الذي سينفذ العراق من محنته انا من مؤيدي العلمانيه ولكن لااعتقد سيكون لها دور كبير وسط هذا التدافع بين الاحزاب الديني

  9. اياد وانلي

    اعتقد ان التيار الصدرى استطاع ان يبرهن انه تيار وطنىوبشكل لافت ويستحق منا ان نسانده ونحاول ان نبلور مواقفه بالنقد البناء لان احسن نصيحة هى النقد الايجابي واتمنى من التيار ان يستقطب المواطنين من كل الاتجاهاة(السنية العلمانية) ومن الله التوفيق

  10. عهد الوارثين

    اكبر مشاكل امريكا ستكون لو فاز الصدريون اعتقد ان التيار حقق انتصارات كثيرة عسكرية وسياسية ودبلوماسية من الجميل هناك تيار او جهة سياسية ثبت ع افكارة التى كان يخطط لها من البداية لم يجرؤ احد وقال التيار وامريكا تعاونو او تهادنو ام النفاق الذى يرفع ر

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram