تدخل "أمير المؤمنين" أخيراً، فانحاز إلى جبهة النصرة مُلغيا دولة داعش، بعد فشل الوساطات بين زعيمي الحركتين، الجولاني والبغدادي الذي رفض القرار، وتعهد بمواصلة القتال، ما يعني أن الأيام القادمة ستشهد جولة جديدة من المعارك والحروب، بينه وبين النصرة وحلفائها، حيث تتصاعد حدة الصراع والاحتراب بين الفريقين، بسبب انشقاق البغدادي، وشقه عصا الطاعة على "ولي الأمر.. أمير المؤمنين"، ونكثه بالبيعة وخرقه العهد وخروجه على الجماعة، أي أنه حسب مفاهيم القاعدة، أوجد كافة المبررات الشرعية لمقاتلته، حتى وإن منع عن الظواهري عقال بعير كان يؤديه له، سامعاً ومطيعاً.
يعني ذلك أن داعش، وهي الأكثر عدداً وتجهيزاً وتدريباً من غيرها من الفصائل المسلحة، وتعتبر التنظيم الأكثر استقطاباً "للجهاديين" رغم مواجهتها المشاكل في التكيف مع شروط الوضع السوري، وتجد صعوبة في بناء التحالفات والشراكات، وتحتفظ بعلاقات متوترة مع المجتمعات المحلية التي تبسط سيطرتها عليها، عربية وكردية على حد سواء، باتت تواجه البطاقة الحمراء من قبل قيادة القاعدة، ومهددة بالخروج من "جنة جهادها"، إلى نار القتال ضدها.
قبل هذا التطور كان الحديث يدور حول نيّة داعش سحب قوات كبيرة من سوريا إلى الأنبار والموصل، في سياق مخطط يعيد الاعتبار للعراق "كقاعدة جهاد ضد الروافض والغزو المجوسي"، وللتخلص من الضغوط التي تواجهها في سوريا، نتيجةً لتراجع تركيا عن تقديم التسهيلات التي كانت قدمتها للجهاديين والسلفيين وغيرهم، بعد أن اشتد عود هؤلاء، وباتت المخاوف حقيقية من تحوّل سوريا إلى أفغانستان ثانية، وبما يعني أن أعضاء هذا التنظيم سينتقلون إلى العراق مقاتلين في ظل رايات البغدادي السود، وبما ينذر أن يعيش العراق أياماً سوداء كتلك الرايات، وسيعني أيضاً أن اتجاه المقاتلين الأجانب والعرب في سوريا سيتغير من الالتحاق بداعش إلى النصرة.
كانت جبهة النصرة الأسبق في قتال النظام السوري، وكانت العلاقة بين البغدادي والجولاني وديّة، باعتبار أن الاثنين تعارفا خلال «الجهاد» في العراق، غير أن التوتر أخذ بالظهور بينهما بسبب أتباع البغدادي الذين سلطهم لمراقبة الجولاني وتصرفاته، وجعلهم وصاة عليه ، عندها شعر الجولانى أنه لن يستطيع أن يُفلح، وهؤلاء فوق رأسه، فقرر مبايعة التنظيم الأم، ليتواصل معهم بعيداً من تسلطهم عليه، لكن البغدادي جمع من مجلس الشورى الأعضاء الخاضعين لقيادته، حيث طُرحت مسألة إعلان الدولة، فوافقوا على الفكرة، وولدت داعش التي رفضتها النصرة فوراً وبشكل قاطع، وبايعت الظواهري علناً.
كان الوسطاء اقترحوا حلاً بتجميد الوضع، وربط الجولاني بمسؤول الأقاليم في القاعدة، ليكون التواصل مباشراً، بعد ما كان يمر عبر العراق، وإيقاف إصدار أي بيانات من الطرفين وانتظار قرار الظواهري، لكن داعش لم تلتزم، لابل إنها سعت إلى التقدم على حساب النصرة، في حين كان الظواهري يعمل على فتح جبهة جديدة قديمه في غرب العراق، يترك أمر قيادتها للبغدادي، وفي ظل كل هذه الفوضى، تراجعت فعاليات الجيش الحر، ووجد النظام العديد من المنافذ للتقدم، وتحرير الكثير من المناطق التي كان الائتلاف يخطط لترسيخ حكومته فيها، بينما قادته يتقاتلون على جلد الدب قبل اصطياده.
إلى أين تمضي سوريا بعد نزع الأسلحة الكيماوية من يد النظام، وفشل الائتلاف في كل خطواته، وانصياعه أخيرا لنتائج جنيف الثاني، الذي يبدو أنه سينعقد بشروط الأسد، وفي ظل المعركة المرتقبة بين داعش والنصرة، أسئلة مؤرقة قد يكون الجواب عليها في واشنطن وموسكو وطهران وجنيف.
حين تتمرد داعش على الأمير
[post-views]
نشر في: 10 نوفمبر, 2013: 09:01 م