TOP

جريدة المدى > مسرح > انتظار ما لا يأتي في عرض مسرحية الظلمة

انتظار ما لا يأتي في عرض مسرحية الظلمة

نشر في: 11 نوفمبر, 2013: 09:01 م

أود أن أشير إلى مسألة أساسية قبل أن أبدأ الحديث عن مسرحية الظلمة هي : إذا كان النص العالمي يمثل معينا لا ينضب للمخرجين العراقيين لما فيه من روحية ومزاج عالميين يجعلانه يتوافق والهم الإنساني في كل مكان وزمان فهل   النص المسرحي العراقي قاصر ع

أود أن أشير إلى مسألة أساسية قبل أن أبدأ الحديث عن مسرحية الظلمة هي : إذا كان النص العالمي يمثل معينا لا ينضب للمخرجين العراقيين لما فيه من روحية ومزاج عالميين يجعلانه يتوافق والهم الإنساني في كل مكان وزمان فهل   النص المسرحي العراقي قاصر على ان يقول كلمته الإنسانية العالمية حتى نشيح النظر عنه؟ النص المسرحي العراقي نص غني بالدلالات وعميق التصوير للإنسان سواء  تلك التي تناولت الحقبة الماضية بما فيها آثار الحروب والقمع والاستبداد  أو تلك النصوص التي حفرت  عميقا في الذات التي سحقها الألم والقتل والإرهاب .
أعود إلى العرض موضوعنا ،نص مسرحية جالواي الظلمة هو من النصوص الجميلة  التي تكشف بشفافية عن العزلة القاتلة والانتظار اللامجدي للإنسان في عالم يملؤه القتل والترهيب والتهميش والإقصاء والقمع .تتحدث المسرحية عن ضياع اثنين من عمال الفنار في عرض البحر في عزلة وظلمة البحر في اللامكان  حيث يسمع صوت أمواج البحر الهائجة وهي تتلاطم وتضرب بقوتها شعورا عميقا بالعزلة  ينتظران أن يأتي مخلّصهم ومنقذهم في سفينة ربما سيريان شراعها يشق الفضاء نحوهما . في هذه العزله كما في النص الاصلي سوف تتفجر الذوات المسجونه في هذا الضياع وفي العزلة والظلام لتعبر عن معاناتها ،أحلامها ،ضجرها، خوفها ومكبوتاتها وحتى جنونها .فتحت الظلمة إضاءة ساطعة على المخفي من جوانب الشخصيتين  وأنارت دواخلها وجعلتنا نرى ما تمر به من صراع نفسي للشخصيتين (اللذين هما كويل ومورجان في النص الأصلي )وتوجهها وخبايا الروح .
وظف العرض مفردات إخراجيه بكثير من التركيز على الجانب السياسي للنص حيث تشكلت المنظومة السينوغرافيه من مفردتين أساسيتين كان لهما الأثر الواضح في التحول الدلالي وهما السقالة التي كانت بمثابة فنار مرة ودولاب اختبار الفئران وسجن ومنبر لرئيس الملاحظين الجديد. والمفردة الأخرى هي الجرائد التي كانت مرة بحرا وأخرى نشرة أخبار ومقعد الرجل الأول حيث جلس في بداية العرض وظفت كلا المفردتين بانسجام وجمالية مع حركة الممثلين وحواراتهما التي أضاف لها المخرج والمعد للنص الدكتور عادل كريم النكهة والهم العراقي .كما لعب المخرج على وتر مهم وهو التحول في الشخصية الذي تغذيه العزلة والظلام من إنسان يحلم بقدوم النجدة إلى قاتل ومن إنسان هادئ والرجل الثاني في الأهمية الوظيفية إلى  رئيس ملاحظين ، في إشارة منه إلى الرغبة المكبوتة في الوصول إلى هذه المرتبة وتسلم زمام الأمور والسيطرة .ففي لحظة صعود الممثل (منتظر الساري)إلى قمة الفنار وتحديه للآخر في كونه اصبح الرئيس هي لحظة تحول درامي نحو إيجاد شخصيه مهيمنه تسيطر على مجرى الأحداث حيث جنون السلطة . لعبت الإضاءة دورها المتميز في إبراز الجانب الجمالي للسينوغرافيا التي صممها جبار جودي . ورغم بعض المشاكل في الصوت وهي مشاكل تقنية أثرت بشكل واضح على فعل التلقي والإرباك الحاصل في شدة وقوة الصوت حينا وعدم وضوح الصوت  حينا آخر ولكن رغم ذلك وصلت فكرة العرض .أما بالنسبة للإيقاع ركز الإخراج  على المؤثرات الصوتية وخاصه الموسيقية والغنائية كثيرا ولو زاد من تفعيل حركة الممثلين لكان اكثر إثراءً لمعنى العرض وإيقاعه على حد سواء لو شحنها بمزيد من الطاقة التعبيرية لتحريك الإيقاع الذي بدا على وتيرة واحده كذلك بالنسبة للإضاءة لأفاد كثيرا منها في خلق أجواء إيقاعية اكثر فاعليه لتبرز الفكرة والموضوع إضافة إلى جماليتها .العرض اعتمد بشكل كبير على الحوار كونه أصلا عمل يعتمد على قوة الكلمة .
أنا شاهدت التمارين الأولى للعرض قبل فترة وأحيي  كثيرا ما قام به كل من الممثلين منتظر الساري ونظير جواد من جهد في إيصال طبيعة الشخصيات وأداء متميز وجمالية في التكوينات أشاد به كثير من الحضور .وجهد الأستاذ الفاضل د.عادل كريم في مزج روح النص العالمي بمأساة العراق من خلال بث بعض المفردات العامية حينا والأخبار التي تقرأ من الجرائد عن التفجيرات والقتل اليومي للفرد العراقي  ومحاولته جذب الأنظار إلى منطقة النزاع بين الشخصيات تلك المنطقة التي بينت الهوة بين الشخصيتين والتي أثبتت أنها رغم هذه الهوة  قد تكون واحدة من خلال  شطر السقالة / الفنار إلى نصفين في نهاية العرض فإن الاستمرار في التذمر والتشكي من الوضع وفعل القتل والتحول إلى الرئيس تكاد تكون نتيجة لهواجس واحدة ولشخصية واحدة تعيش الألم  والشعور بالتهميش واللاأهمية في العزلة.ربما تكون واحدة من رسائل العرض وشفراته المهمة والجميلة هي أن تقرأ مالم ُيقل .
أطياف رشيد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram