وكأنّ بنيامين نتنياهو كان جالساً على جمر انتظار تبرئة رئيس حزب اسرائيل بيتنا افيغدور ليبرمان من تهم بالفساد، شملت مخالفتي الاحتيال وخيانة الأمانة، في قضية تعيين سفير إسرائيل السابق لدى لاتفيا مقابل تسريب معلومات سرية له، عن تحقيق كان يجرى بحقه، ليعمل فور صدور القرار على تعيينه وزيراً للخارجية، رغم معارضة حزبي العمل وميرتس، الشريكين في الحكومة لهذه الخطوة، التي تتناقض مع المفاوضات القائمة مع الفلسطينيين، وذلك في ضوء موقفه المُعارض من إقامة دولة للفلسطينيين أو التفاوض معهم
ليبرمان المهاجر إلى إسرائيل من الاتحاد السوفياتي سابقاً، أثار الكثير من الجدل، حتى في الأوساط الإسرائيلية، عندما اقترح نقل من تبقى من الفلسطينيين على أرضه التي تحولت إلى دولة اسرائيل، إلى أراضي السلطة الفلسطينية ضمن صفقة الأرض مقابل السلام، وهو بذلك كان يضع الخطط العملية التنفيذية، لفكرة نتنياهو واليمين الصهيوني حول يهودية الدولة، كان استقال من منصبه وزيراً للخارجية في الحكومة السابقة بعد اتهامه بالفساد، لكن حليفه نتنياهو احتفظ له بحقيبة الخارجية في التشكيلة الجديدة، بانتظار قرار المحكمة.
الداعية للتخلص من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، باعتباره عقبة في طريق السلام كما يفهمه، يُمثل في الحكومة حزباً يشغل عشرة مقاعد، من أًصل مائة وعشرين مقعداً في الكنيسيت الإسرائيلي، وهو يستمد نفوذه ويفرضه على الدولة العبرية، من خلال تحالفه مع الليكود، الذي يحتل واحداً وعشرين مقعداً، لكن هذا العدد لم يمنع ليبرمان من فرض رؤاه السياسية على نتنياهو، الذي يخشى أي نفوذ لأي عضو في أحزاب الوسط أو اليسار، إضافة الى تطابق رأي الاثنين بشأن الحلول النهائية للقضية الفلسطينية، إن كانت هناك مثل هذه الحلول.
ما يعنينا هنا هو التأثير المباشر لقيادة ليبرمان لوزارة الخارجية، على مفاوضات الفلسطينيين والإسرائيليين، المتعثرة أصلاً بسبب الفهم المتباين لمآلات الحل، والموقف الأميركي المائع منها، وهو موقف ينتظر نتائج ملفات أخرى، كالنووي الإيراني والأزمة السورية ليتبلور، مع أن التشاؤم يسود كافة الأوساط من ذلك الموقف المنتظر، باعتبار أنه لن يتعدى الانحياز بالكامل لسياسات الاحتلال، مع تناسي مفاهيم الأمة الأميركية، حول الحريات وحقوق الإنسان، ولعل من حق الفلسطينيين اليوم البحث عن إجابة لسؤال، لماذا نتفاوض ومع من؟.
كان التشاؤم يُطل باستحياء عند المطلعين على بعض خفايا ما يجري في الكواليس، غير أنه بات سيد الموقف مع عودة ليبرمان، بلطجي الكباريهات السابق إلى موقعه المتقدم في الحكومة، وهو المؤمن بنقاء العرق اليهودي، الداعي إلى استمرار الاستيطان، والرافض لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمتمسك بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، والعامل على تهجير من تبقى من الفلسطينيين في أرضهم، سواء من بقي فيها بعد قيام الدولة العبرية، أو بعد احتلال كل أرض فلسطين التاريخية عام 1967، ولعل المفاوض الفلسطيني هو أكثر من يشعر بهذا التشاؤم الثقيل الذي يسيطر على الأجواء.
يُحتّم الواقع الجديد، حتّى وهو في بداياته على الفلسطينيين والعرب، وضع مقاربة جديدة للتعاطي معه، ليس بالضرورة أن تكون تجييش الجيوش لبدء حرب التحرير التي وعدونا بها قبل ستين عاماً، وأسفرت عن تغول العسكر على السلطة والمجتمعات وقمع الحريات وأية فكرة للديمقراطية، وإنما باتباع وسائل دبلوماسية، تتوسل مواقع القوة عند أصحاب الحق الفلسطينيين، المستعدين لتقديم كل التضحيات لتحقيق حلمهم الوطني، وعند الدول العربية التي ينصرف حكامها اليوم للحفاظ على مواقعهم وامتيازاتهم.
ليبرمان إلى الواجهة
[post-views]
نشر في: 11 نوفمبر, 2013: 09:01 م