في صيف بغدادي من عام(1966), كان معرضي الأول في المركز الثقافي السوفيتي, مع الفنان سعدي اللبان. وكان في نفس الوقت معرض آخر في المركز الثقافي الجيكي, للفنان(حسن عبد علوان). والذي تعرفت عليه لأول مرة, في ذلك المعرض, كانت رسوم حسن ذات مسحة واقعية شعبية.
في صيف بغدادي من عام(1966), كان معرضي الأول في المركز الثقافي السوفيتي, مع الفنان سعدي اللبان. وكان في نفس الوقت معرض آخر في المركز الثقافي الجيكي, للفنان(حسن عبد علوان). والذي تعرفت عليه لأول مرة, في ذلك المعرض, كانت رسوم حسن ذات مسحة واقعية شعبية. لكنه ومن أجل أن يكسبها ميزة خاصة, نثر على سطوحها حبات أرز, قليلة, أو بكثافة, ولتضيف لتلك السطوح مظهرا تكنيكيا يحمل غرابته, أو فرادته كما كان يعتقد. ثم اختفت حبات الأرز نهائيا من سطوح أعماله, لكنها خلفت آثارها, ملونة تنقيطية حفرية متشظية, بقيت ملازمة في كل نتاجه اللاحق. ثم اكتسبت أجساده المرسومة رهافتها الأنثوية المغرقة في موشور ملونتها الشعبية. وسعى حسن عبد علوان وباستمرار لخلق عالمه الاحتفالي من تفاصيل بيئة مدينته الجنوبية الأولى, بمشاحيفها وعباءات نسائها الملتفة غنجا على أجسادهن البضة. مثلما غرق في الأزقة البغدادية, وختمها بحكايات ألف ليلة، وأخيرا ومع صيحة الديك الأولى ختمت فصولها. وودعتنا طلة حسن عبد علوان مع بسمته البهية. لتترك طعم مرارة فقدانها الأبدي تلاحقنا. لكن ما يخفف من لوعتنا, انه لا يزال بيننا طيفا تحمله اكف الريح محفوفا بأزقته وعشاق شناشيلها. بزوارق أحلامه وهي تجوس متاهات مياهها الجنوبية, كما أقدارنا التي تركناها وديعة جنب ضفافها. و بتنا مجرد أقدار, و حسن عبد علوان سبقنا بقدره لتلك الضفاف, التي لم يكن يمل من صناعة آثارها وحوادث أناسها بملونته الخرافية الزاهية.
وتمر السنون, وتتبدل الأحول والأعمال. لكن حسن عبد علوان يبقى كما هو وفيا لجذر أعماله الأولى وأزمنتها. يبقى ذلك الطفل الذي لا يشيخ, ولا يمل من صناعة إرثه الفني وتوسيع مساحته, وصنع له شأناً في التشكيل العراقي. فهو الأفضل في أرشفته للفولكلور الشعبي العراقي فنيا , حكايا كما قصائد الشعر المصورة. لكنها وفي نفس الوقت صنع أعمال فنية متحفية. تستمد عناصرها من فضاءات الحداثة التشكيلية العراقية, وتغنيها بتنوعها في نفس الوقت. لكن. إن لم يشخ هذا الطفل الذي كان, و المختبئ خلف أردية عمره كلها. فقد شاخ الجسد, كما شاخت أزمنتنا ومصائرنا, وكف القلب عن النبض.. أخيرا وكما اعتقد فإننا لم نفتقد حسن عبد علوان, ما دامت أعماله سوف تبقى حارسة لروحه, لا شاهدة لقبره. فهل صحت نبوءته الأولى وهو يرش أو يبذر حبات قمحه ويودعها فضاءات ومياه أعماله الأولى. وكما ينثر البعض من بني البشر قبور موتاهم أرزا.