بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على انتفاضة الشعب السوري، حفلت بمواقف متباينة من جانب كرد سوريا، وتميز بعضها بالانتهازية، وتوجهت بعض بنادقهم في غير الاتجاه الصحيح، جاء الإعلان عن إقامة إدارة انتقالية مستقلة في المناطق ذات الغالبية الكردية، وهو إعلان تبناه حزب الاتحاد الديموقراطي، مدعوماً بعدد من الأحزاب الصغيرة، ووقف ضده على الفور المجلس الوطني الكردي، الذي يتألف من عدد كبير من الأحزاب، ويشكل جزءاً من ائتلاف المعارضة السورية، ووصفه بالخطوة أحادية الجانب، هدفها إعاقة الجهود الرامية إلى وضع حد للحرب، بينما اعتبرت المعارضة السورية أن هذا القرار يهدد وحدة البلاد.
المدهش أن النظام ومناوئيه يعارضون الحقوق المشروعة للكرد، بينما تُورطهم هذه الخطوة في حرب لاتحقق أياً من أهداف الأمة الكردية، بقدر ما تضر بقضيتهم وتعرضهم لمخاطر جدية، في حين كان حرياً بهم اغتنام الفرصة، والعمل على خلق الظرف الملائم لإنهاء معاناتهم من الإنكار، وحرمانهم من حق المواطنة، وأن يحصلوا على حقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة، من خلال التزام الأطراف كافة بخطاب سياسي موحد ومحدد الأهداف، ومتلائم مع الوضع الراهن حاضراً ومستقبلاً، غير أن البعض انحاز إلى النظام، مُقصياً جميع الأطراف، ومحاولاً بقوة السلاح فرض أمر واقع، بزعم أنهم أشعلوا الثورة في غرب كردستان، مع أن النظام هو من سلمهم المناطق التي يديرونها اليوم.
من حق أي كردي أن يشعر اليوم بالقلق إزاء مستقبل الكرد في سوريا، بعد هدية الاتحاد الديمقراطي للنظام بدون أي مقابل، خصوصاً وأن هذا الحزب يقف بالضد من الوحدة القومية، وصل به الأمر حد منع رفع علم كردستان، والقيام بإقامة إدارته بشكل انفرادي، مُقصياً الأحزاب الكردية الأخرى، ما يعرض مستقبل كرد سوريا لمخاطر جدية، سيتحمل نتائجها الاتحاد، بإضاعته الفرصة التاريخية، خصوصاً وهو يؤكد أن الإعلان عن تشكيل إدارة موقتة سيكون مؤقتاً، ولحين التوصل إلى حل ينهي الحرب الأهلية السورية، وواضح هنا انسجامه مع طروحات النظام، وابتعاده عن أهداف أمته، رغم اعترافه بتلقيه أموالاً وسلاحاً من حزبي الاتحاد و الديمقراطي في كردستان العراق، والعمال في تركيا.
يتميز الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي يسميه البعض الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني بقيادة أوجلان، بغموض سياساته وعدم قدرة الكثيرين على فهمها، وهو الحزب الكردي الوحيد الذي استغل ما يجري في بلاد الشام، واستفاد من الثورة السورية، فقد عرف كيف يمسك خيوطها ويستغلها لصالح أهدافه ومشاريعه، مستفيدا من الفراغ الأمني والخدمي الحالي، لتوطيد أركان حكمه في المناطق ذات الغالبية الكردية وتنصيب نفسه بحكومة الأمر الواقع، ولعل أفضل انجازاته محاربته لمسلحي القاعدة ومنعهم من الدخول إلى عمق المناطق الكردية، ما أكسبه رصيداً كبيراً في أكثر من نقطة ولدى أكثر من طرف، لكنه رصيد نعرف أنه بغير حساب.
نحن إذن في مواجهة قفزة في الفراغ والمجهول، تشي بأغراض غير نزيهة، في وقت كان مأمولاً فيه أن تحقق الأمة الكردية بعض طموحاتها القومية، أو على الأقل أن يحقق الكرد في مناطقهم، المقسمة بين أكثر من دولة بعض طموحاتهم في تأكيد هويتهم القومية، ولعل من النتائج المباشرة لهذه الخطوة تأجيل المؤتمر القومي الكردي إلى أُجل غير مسمى، وهو المؤتمر الذي كان مجرد انعقاده يعد نصراً للكرد في أنحاء العالم كافة، فهل كان الحزب الذي تنطح لإعلان غدارة ذاتية في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا "غرب كردستان" يعي هذه النتائج، أم أنه يعيها ويعمل بوحي من ذلك إرضاءً للنظام السوري.
كرد سوريا.. قفزة في الفراغ
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2013: 09:01 م