في منتصف الستينيات، وفي ناحية الزبيدية التابعة للواء الكوت، كما كان يسمّى آنذاك، وقعت أمامي حادثة ظل شبحها يراودني الى اليوم. تمثل حية أمام عيني كلما شاهدت او سمعت بجمع يستأسد على فرد. استحضرتها يوم هجم أزلام صدام على مجموعة من العزل بالناصرية بحجة انهم شاركوا بالانتفاضة ووضعوا عقال احدهم برأسه وسحبوه و(ولوه ولية مخانيث خالصة). وتذكرتها أيضا، عندما شاهدت فيلما لإرهابيين مدججين بالأسلحة ينفردون بسواق لوريات عزّل ليلقوا برأسهم محاضرات سمجة ثم يقتلونهم مهللين باسم الله. وقبل أسبوع ذكرتها وشعرت بالألم ذاته والمرارة نفسها، التي طغت على لساني وروحي بوقت حدوثها، وانا أرى جموعا غائصة بوحل الأمطار نست ما هي فيه من بؤس وانهالت "بالقزامي" والمساحي والسواطير على بريطاني. الروايات تجمع تقريبا على انه أخطأ حين أنزل راية، ويقال انه مزقها، بعد أن وضعها بعضهم، قسرا على سيارته دون ان يخبره عن أهميتها المعنوية.
دعوني اروي لكم الحكاية الأصلية باختصار:
كنا أطفالا نلعب على السدة الترابية التي كانت تحمي مدينتنا الواقعة على نهر دجلة من فيضانه. صدفة مر من هناك "ماطور سكل" يقوده رجل مسيحي عراقي، كما عرفنا بعد حلول المصيبة. كاد السائق ان يصدم احدنا لكنه تجنب ذلك بأن مال بماطوره من السدة فتدحرج هو ودراجته البخارية وتناثرت أغراضه. لاحظ الأطفال خنزيرا صغيرا قد فلت من "الكونية" التي كان قد ربطها المسيحي على "سيباية" الماطور. وهوي الهويانه .. ويا يابا ويا بويه. صاح خضير ابن النجار: ولكم هذا عنده خنزير. هو صاح من هنا، واذا بنصف المدينة من الرجال والنساء والاطفال، من هناك، يزحف صوب "المجرم". وعينكم لا شافت. لم يترك الرجل اسم إمام او نبي الا وتوسل به. لكن منو يقره ومنو يسمع والعقول ودعت رؤوس أهلها. أغمي على الرجل وغطت الدماء وجهه وقميصه الى ان حضر عباس الشقي الذي سحب قامته مهددا الكل بالابتعاد فامتثلوا كالجرذان. ما زلت أتذكر أم محمد وابنتها بهيجة وهما يبكيان على حال المسكين. وبعد ان جبن الجمع من قامة عباس ركضت بهيجة لبيت أهلها ثم عادت مسرعة بقدر ماء لتسقي الصريع وتغسل الدم عن وجهه. صاح احدهم: هذا كافر لا تنطوه مي. رد عباس وأنت شعليك؟ أجابه "المؤمن جدا": لحم الخنزير حرام ومن يأكله مأواه جهنم. رد عباس: هوّه جبرك كلك أكله؟ واذا هوّه يريد يدخل جهنم أنت شحامي حمامك؟ أعاد عباس الخنزير الى "الكونية" رغما عن الهائجين ثم قال للسائق اركبني خلفك الى ان أبعدك عن هؤلاء الهمج.
قد لا يصعب تفسير هيجان الذين أحاطوا بالإنكليزي من كل حدب وصوب. لكن هل هناك من يفسر لنا ردة فعل السياسيين بدءا من رئيس الوزراء الى أصغر نائب؟ أكانت غيرة من أجل الحسين حقا، أم من أجل الهريسة الانتخابية؟
لو كانت من اجل الحسين كما يدعون، لاستحى بعضهم من ان يصرف المليارات على ثلة في مكتب لا يحل ولا يربط بينما آلاف من أطفال العراق يعيشون تحت وطأة ذل الفقر والحاجة. عشرات الآلاف من أطفالنا في عراق "مختار العصر" حالهم حال أولاد مسلم ابن عقيل في زمن يزيد أو أتعس.
أحقاً من أجل الحسين؟
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
فارس الجامع
استاذ هاشم عن اي انتفاضه تتحدث والتي تزعم انها حدثت في منتصف الستينات لان حكم البعث انهار عام 1963 ثم استولى على السلطه عام 1968 اما منتصف الستينات فكان الحكم بيد الاخوين عارف مع تقديري لكم
اكرم حبيب
الاستاذ العقابي المحترم اليس متاخرا تناولكم للموضوع بعد ان اضحت النار رماد الدوافع معلومة لسياسيي الصدفة لكن مامنعكم من التعليق طيلة الفترة الماضية مع احترامي للقلم الحر
ابو سجاد
قبل التعليق توضيح بسيط للسيد فارس الجامع ان السيد هاشم العقابي قد فصل بين الرواية الاولى في الزبيدية التي شاهدها وبين الانتفاضة الاخيرة في الجنوب في التسعينات وقد التبس عليك الامر اما تعليقي يااستاذ هاشم اقسم بالله هؤلاء هم احفاد الذين قتلوا الحسين وكل مح