عندما يتخلى الأب عن مسك زمام السيطرة داخل بيته ويغمض عينيه عن عبث ولده البكر وسوء تصرفاته التي تؤدي الى خراب البيت فإنه يتجرد من قيمته أمام أولاده ويغدو أباً عاجزاً عن تأديبه ، وفي الوقت الذي يقصّر عدد من موظفي دائرة لها تماس مباشر مع المواطنين عن القيام بواجباتهم ولا يأبه المسؤول لتقاعسهم ، لا يمكن أن تعفيه غفلته أو تبرئته عن الحساب، وإذا ما اختارت مدينة ما في العالم العصيان من دون حق ويتفرج عمدتها على فداحة الخسائر المادية والبشرية فهو شريك فعلي في التمرد ضد القانون وأول المعرّضين للعقاب ، فكيف إذا يُختطف منتخب وطن تحت سطوة نزعة فنية مهووسة بالمكابرة وملّثمة بالتحدي الوهمي تقتاد الكرة العراقية وسط حذر اتحاد الكرة من فتح فمه أو رفع اصبعه أو حتى النطق بـحرفي (لا) انقاذاً لمصير لا يسرّ العراقيين؟! واأسفاه ..الدمام أماطت اللثام : أسود الرافدين في طريق مجهول!
ماذا تنتظرون .. وبأي تدابير تفكرون ، ألا تسمعون ، أوصال الحكومات ترتجف مهابة لإرضاء منتخباتها وانجاح تمثيلها في المهمات الدولية وتبغي تشريفها في النتائج والعروض، ولا تغمض جفون وزراء الرياضة في العالم لئلا تفقع عيونهم الانتقادات إذا ما أهملوا شؤون الأندية ولم يُسائلوا المتسببين بعدم انتظام عمل شريان المواهب ورفد المنتخبات بأعمار مزورة، وتـُكسّر الشعوب عِظامها ألماً إذا ما نكّس اللاعبون اعلام بلدانها فشلاً في مباراة مفصلية، فمن المسؤول عن قبول اللجوء العاطفي العراقي (مسؤولين ومواطنين) الى حدود الاستسلام لوعود اتحاد الكرة بتعويض الاخفاق "بعد كل نكبة كروية" يغصّون في قهرها بينما مليارات الدنانير يضيع نصفها على الأسفار والموائد والمؤتمرات العقيمة والدوري المتهالك والمحبط من النخبة الى الممتاز، ولم تستطع تلك الأموال انجاز أجندة اصلاح واقعية طالما إن مسودة التخطيط ترسمها اقلام العلاقات وتحكم المصالح سياسة تنفيذها ؟!
ليس أمراً هيناً أن يعود بطل آسيا لاستذكار معجزته الخالدة غداً في جاكارتا وهو يعلق أمله بانتظار مكالمة سعودية تزف له بشرى النصر في معركة شاقة تتطلب اجتياز الصقور الخضر السور العملاق تحت حراسة مليار ونصف المليار صيني ، في وقت يُخبىءّ أحد عشر قروياً في جاكرتا مناجل الثأر وراء فانيلات موحلة بالهزائم ويعدّون كمائن المناورة استعداداً لرد الاعتبار وضرب تطلعات الأسود لحصد نقطة "الكرامة" ، يبقى رهان المدرب رابحاً على مدى قدرة لاعبينا في الاستماع إلى أغاني التحفيز الوطني لقدح شرارة النخوة وحرق كل متر في الملعب بطاقة استثنائية لعلها تثير الرعب لدى المنافسين وتفضي المساحة لبديل السفاح كي يغتنم الفرصة لهز الشباك بهدف من هدايا السماء.
تذكروا أن التاريخ لا يرحمكم ، ولن يغفر النسيان لمن يراوغ في تصديه للمهمة ويروم ان يبني مجداً مزيفاً على حساب حقب من مآثر البطولة لرجال الكرة العراقية نزفوا الدماء من اجل بقائها في علياء الأمم ، فرجالات كرتنا معادن ثمينة لا يجود بهم رحم العراق في كل الأزمنة، وكم صعباً أن يتحشرج الدمع بين ثنايا رباطة جأش أحد فرسان اللعبة وهو يداري فضيحة الهزيمة في مجلس خليجي تحاصره نظرات الحزن ومشاعر المواساة لقرب تشييع أمل المنتخب في آسيا، وكأن زينل يستحضر في تلك اللحظات إباء جمولي وشموخ عمو بابا وفدائية عبد كاظم وغيرة ناطق هاشم ليشاركوه البكاء بصمت تأسفاً على سقوط الأسود!
لا نريد أن نسبق الأحداث برغم مشهدها ، لعل في قصة (الزحف الى استراليا) حدث مفاجىء يعيد كتابة سيناريو (أحلام اليقظة) بعهدة مدرب جديد مغامر لا مقامر، يصون الأمانة، وأول من يستقتل لانتصار منتخب الشعب وآخر من يفكر بالحصول على الثناء والمكارم ، وربما يغتنم اتحاد الكرة فرصة الانصياع لحكماء الإعلام لينجو من مقصلة الاتهام ويعلن في الساعات الأخيرة سوء خياراته وفشل رهانه عليها قبل أن يتجرع مرارة
(كاس) الوداع!