بات واضحاً أن السياسات المتخبطة للإدارة الأميركية، تقودها إلى توتير علاقاتها مع حلفائها التقليديين، الذين ظلّوا على علاقة ود مع الولايات المتحدة، رغم أنها اتخذت مواقف غير مرضية لهم في بعض الأحيان، أمّا اليوم فإن عند كل واحد من هؤلاء الحلفاء، الكثير من المبررات والدوافع، الباعثة على إعادة تقييم الموقف، حيث يمكن ببساطة ملاحظة حالة انفكاك من القبضة الأمريكية التي كانت مُحكمة، فالسعودية غاضبة من الموقف الأمريكي من أزمتي إيران وسوريا، ولم تعد الرياض تخفي انزعاجها من الموقف الأمريكي، بعد الكيماوي السوري والنووي الإيراني، ولم يعد سراً أن الحديث يدور في الرياض عن خيارات السعودية في المرحلة القادمة، بما فيها تنويع التحالفات ومصادر السلاح، والبحث عن معطيات جديدة للتبادل التجاري والنفطي.
مصر سبقت السعودية، حين كانت تتابع بقلق المواقف المتعاطفة مع نظام مرسي وحكم الإخوان، والمناهضة للثورة الشعبية ضد حكم المرشد، وإذا كانت واشنطن شعرت بتسرعها، فحاولت العودة تدريجياً عن موقفها، فإن القاهرة استوعبت الدرس، وهي اليوم تتوجه نحو تنويع تحالفاتها ومصادر سلاحها، والدليل هو الحرارة المفاجئة في قنوات الحوار والتواصل مع روسيا، والتي لم تكن لتحدث بدون تنسيق مع الرياض، يشتمل على تمويل سعودي لصفقات تسلح مصرية من مصادر غير أمريكية، ونتيجة للبرودة الشديدة التي باتت سمة العلاقات الأميركية المصرية.
أنقره لم تكن بعيدة عن قوس التوتر، بعدما أصمّت واشنطن أذنيها عن دعوات أردوغان المُلحة للتدخل العسكري، وحسم الموقف مع نظام دمشق، وما تبع ذلك من خلافات حول جنيف الثاني، والاتهامات الموجهة لتركيا بدعم " الجماعات الجهادية " وما يعنيه ذلك من ضغوط على أنقرة لإحكام السيطرة على حدودها، ولنا هنا أن نلاحظ أن تركيا ماضية في تنويع التحالفات ومصادر السلاح، والملفت أنها ستكون أول دولة أطلسية تشتري سلاحاً من الصين، وهي تعمل بجد واجتهاد على استعادة علاقاتها مع بغداد وطهران، وهي خطوات يمكن وصفها بإعادة التقييم والتقويم.
بغداد في الصورة أيضاً، فبعد أن خسرت الولايات المتحدة خمسة آلاف قتيل، ومئات مليارات الدولارات، لـتخليص العراق العراقيين من حكم صدام حسين الدكتاتوري، ليكون العراق نموذجاً لما تريد من الأنظمة الديمقراطية، فإنها تركته ليكون لقمة سائغة تلتهمها إيران، التي باتت تتمتع في بلاد الرافدين بنفوذ يتخطى نفوذ واشنطن، حتى أن البعض يرى فيها حديقة خلفية لنفوذ إيران ومصالحها في المنطقة، دون أن تُضطر لدفع دولار واحد أو إراقة قطر دم إيرانية واحدة، وهو اليوم يستعد أيضا لتنفيذ نظرية تنويع التحالفات ومصادر السلاح، وقد قاد المالكي شخصيا محادثات التسلح العراقي من روسيا، في صفقة هائلة كادت تتم، لولا ما شابها من فساد.
بيضة القبان في علاقات واشنطن مع هذه المنطقة، وهي إسرائيل، تكاد تنكسر على خلفية الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني، وما تعتبره تل ابيب شططا أميركيا يقدم لإيران مزايا استراتيجية مجانية، إضافة الى الموقف الأمريكي من الاستيطان، حيث هناك ما يؤشر إلى اتساع الفجوة بين الحليفتين، على خلفية الموقف من عملية السلام، لكن الواضح حتى اللحظة أن الأمور بينهما ستظل أساس السياسات الاميركية في هذه المنطقة، وإن شابتها بعض التوترات.
وبعد فان التوترات والأزمات بين واشنطن وحلفائها الكبار، تترك فراغاً تسعى دول الإقليم لملئه، بتنويع تحالفاتها ومصادر تسلحها، وبما يُفسح في المجال أمام روسيا أساساً، والصين أيضاً، للتقدم لملء الفراغ في المنطقة، وبما يعني عودة موسكو كلاعب رئيس على حلبة الشرق الأوسط، بعد أكثر من أربعين عاماً من الغياب والتغييب، ابتدأت مع بريجنيف لكنها تبدو على وشك نهايتها مع القيصر الجديد بوتين.
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
استاذ حازم هل تتوقع ان اميركا تترك الشرق الاوسط للنفوذ الروسي بهذه السهولة ولماذا وهل يستطيع هذا الشرق ان ينسلخ عن امريكا ويلقي بنفسه لروسيا الكسيحة المنهاهرة اقتصاديا والمتضعضعة داخليا اما قولك ان اميركا تركت العراق للنفوذ الايراني اعتقد العرب هم الذين ا