تلخص قضية الميليشيات مأزق السلطة الليبية التي إما أن تكون مجرد "واجهة" لمسلحين يفرضون سيطرتهم ومنطقهم على الأرض، وبذلك تفقد هيبتها ومكانتها أمام الشعب الليبي، وإما أن تكون "سيدة قرارها" لوضع مشروع سياسي لما بعد القذافي يتم التوافق حوله. وتعمل الحكومة
تلخص قضية الميليشيات مأزق السلطة الليبية التي إما أن تكون مجرد "واجهة" لمسلحين يفرضون سيطرتهم ومنطقهم على الأرض، وبذلك تفقد هيبتها ومكانتها أمام الشعب الليبي، وإما أن تكون "سيدة قرارها" لوضع مشروع سياسي لما بعد القذافي يتم التوافق حوله. وتعمل الحكومة الآن على محاولة تطوير خطة جديدة لدمج الثوار في القوات الأمنية الليبية الناشئة. وسيتم تقديم رواتب سخية جذبًا لهم. ولكن هناك تساؤلات حول مدى نجاح الحكومة في تقديم حلول نافذة لاحتواء مشكلة الميليشيات بصورة عامة، خاصة مع عدم القدرة على نزع أسلحتهم، ودخول تنظيمات متطرفة على الخط بما يزيد من تعقيد الوضع. ويعكس الإصرار على حمل السلاح انعدام الثقة بين مختلف تشكيلات المعارضة الليبية، وعدم وجود توافق حول خطة ما بعد سقوط القذافي.
هناك أنواع أربعة مميزة من الجماعات المسلحة في ليبيا الآن هي: اللواءات الثورية، واللواءات غير المنظمة، ولواءات ما بعد الثورة، والميليشيات. فقد تكوّنت عدة أنواع من الهياكل التنسيقية المحلية أثناء وبعد الحرب، بما في ذلك المجالس العسكرية واتحادات الثوار، التي اكتسبت أهمية منذ نهاية القتال.
أولا: اللواءات الثورية، وهي تمتلك خبرة قتالية كبيرة كأفراد، والأهم، كوحدات مقاتلة. وهذا يميزهم عن جماعات ما بعد الثورة التي ظهرت في وقت لاحق في الحرب. وتتميز اللواءات الثورية بالجماعات المقاتلة التي ظهرت في مصراتة وزنتان. ففي مصراتة، اعتبارًا من شهر نوفمبر 2011، تم تسجيل 236 كتيبة ثورية في اتحاد ثوار مصراتة، وهو ما يكون ما يقرب من 40000 عضو.
وتشير التقديرات إلى أن قوام قوة هذا الاتحاد تتشكّل من الطلاب بما نسبته (41 في المائة)، ومن عمال القطاع الخاص بما نسبته (38 في المائة) وعمال القطاع العام (11 في المائة)، ومن المهنيين المتخصصين مثل الأطباء (8 في المائة) والعاطلين (2 في المائة).
ثانيًا: اللواءات غير المنظمة، وهي كتائب ثورية انفصلت عن سلطة المجالس العسكرية المحلية في المراحل المتأخرة من الحرب. ويقول كبار القادة العسكريين إنه بدءًا من مارس 2012، كان هناك من ست إلى تسع كتائب غير منظمة في مصراتة، وهو ما يشكّل أقل من 4 في المائة من إجمالي عدد الجماعات المسلحة في المدينة. وقد خضعت هذه الكتائب لعمليات تكوين مشابهة لتلك الخاصة بالكتائب الثورية، ونتيجة لذلك اكتسبت بنية تنظيمية متماسكة وقدرة عسكرية جيدة.
لكن لم يفضل قادة الكتائب غير المنظمة الانضمام إلى المجالس العسكرية المحلية، وبالتالي تغيير الجوانب الهامة في بنيتها وشرعيتها. وبينما تعمل تلك الجماعات في بيئة غير قانونية، فإنهم يذعنون للتوقعات الاجتماعية لعشائرهم؛ أي المجتمعات التي جاء منها أعضاء تلك الكتائب غير المنظمة. وهذه الكتائب مسئولة عن عدد كبير من انتهاكات حقوق الإنسان.
ثالثًا: لواءات ما بعد الثورة، وقد ظهرت لملء الفراغ الأمني الذي خلّفته هزيمة قوات القذافي. وشاع ظهور هذه الكتائب في الأحياء الموالية للحكومة أو الموالية للقذافي مثل بني الوليد أو سرت، لكنها ظهرت أيضًا في مدن وبلدات أخرى كانت أقل تضررًا من النزاع.
ويتزايد عدد كتائب ما بعد الثورة بسبب مدى وكثرة المجتمعات الموالية في ليبيا. وبرغم أن سرعة ظهورها منع تلك الجماعات من أن تصبح متماسكة وفعالة عسكريًّا، مثل الكتائب الثورية أو غير المنظمة؛ فإنها تكتسب الخبرة من خلال المشاركة في الصراعات الطائفية المستمرة في مرحلة ما بعد الثورة.ويوضح الاقتتال الأخير في زوارة مدى تعقيد جماعات ما بعد الثورة وعلاقتها بالشبكات الاجتماعية التي تضمها.
وبمجرد أن ثار العنف، تدهورت الأوضاع بسرعة، وتردى الحال إلى صراع واسع النطاق بين الجماعات المسلحة غير المتبلورة نيابة عن مدينتهم أو جماعتهم العرقية. وإذا استمر تواصل التوترات واشتعالها، فمن المحتمل أن تظهر وحدات قتال أكثر تماسكًا.
هناك صراع على السلطة يجري حاليًّا حول إعادة بناء الجيش الوطني. وتعتبر الكتائب الثورية نفسها "حراس الثورة" ولا يثقون في وزارة الدفاع ولا الجيش الوطني لعدم حدوث أي تغيير في الكثير من قياداتها زمن الحرب. وللحفاظ على "المُثُل العليا للثورة" أنشأت الكتائب الثورية شبكةً وطنية من الاتحادات الثورية أطلقت عليها اسم الدرع الوطني(درع ليبيا). ويضم الدرع الوطني أربع فرق موزعة على أنحاء ليبيا شرقًا وغربًا ووسطًا وجنوبًا، وهو ما يعكس قواعد السلطة الإقليمية للكتائب الثورية في منطقة مصراتة، وتم دمج 7.000 مقاتل ثوري في الفرقة المركزية لهذه القوات.
وقد أسندت الكتائب الثورية مهمة قيادة الدرع الوطني لعقيد الجيش الوطني يوسف المنقوش، وبالتالي تجنبت بيروقراطية الجيش الوطني. وقد وضع قائدو الألوية الثورية ثقتهم في المنقوش. ولكن النتيجة الفعلية هي أنه يتحكم في جيشين وطنيين. وانتشر الدرع الوطني بالفعل بالتنسيق مع الجماعات المسلحة الرسمية وغير الرسمية لكبح العنف في الكفرة وسبها والزوارة.
أفاد تحليل نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأنه تشكّلت زهاء 1700 جماعة مسلحة مختلفة من بين القوات الليبية المسلحة المنقسمة التي حاربت نظام معمر القذافي عام 2011. ولكن بعد مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في بني غازي في الحادي عشر من سبتمبر، صرحت الحكومة بتفكيك الميليشيات. وفيما يلي تفصيل الميليشيات وأماكن انتشارها.
في شرق ليبيا، تمتلك بني غازي العديد من الميليشيات التي وضعها المجلس الانتقالي الوطني الليبي تحت سيطرة وزارة الدفاع في يونيو 2011. ومع ذلك، لم تتضمن المجموعة التي عرفت باسم "تحالف كتائب الثوار" بعض أخطر الميليشيات وأقواها مثل ميليشيا أنصار الشريعة التي انحلت بالفعل.
كتيبة شهداء 17 فبراير: وتعتبر هذه الكتيبة أكبر وأفضل الميليشيات المسلحة في شرق ليبيا. وتحصل الكتيبة على تمويلها من وزارة الدفاع الليبية. وتتألف من 12 فوجًا عسكريًّا، وتمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، علاوة على منشآت تدريبية. ويتراوح عدد أعضائها ما بين 1500 و3500. وقامت الكتيبة بتنفيذ العديد من المهام الأمنية ومهام إرساء النظام شرقي ليبيا وفي الكفرة في الجنوب. ويُعتقد أن بعض أعضائها أيضًا يقاتلون نظام الأسد في سوريا.
كتيبة شهداء أبو سليم: كانت كتيبة شهداء أبو سليم، وهي جماعة جهادية سابقة، من بين أوائل الجماعات التي ثارت على نظام القذافي في فبراير 2011. وتظهر صفحة الكتيبة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك تعليقات يومية على خطابات من نظراء المدارس ومديري المستشفيات الذين إما يطلبون الحماية من اللصوص والمخربين أو يتقدمون بالشكر.
وتُشرف هذه الكتيبة على المشروعات المجتمعية، مثل رصف بعض الطرق، وإصلاحها في دارنا، شرق بني غازي. ومن الواضح أنها القوة الوحيدة بالمنطقة التي تفرض القانون والنظام. ولا توجد معلومات واضحة عن الموقف الأيديولوجي للكتيبة على الرغم من صبغتها الإسلامية التي لا تخطئها العين. ولقد سميت تلك الميليشيا تيمنًا بسجن "أبو سالم" سيئ السمعة الذي لقي فيه الكثير من إسلاميي ليبيا مصرعهم إبّان فترة حكم القذافي.
كتائب الشهيد راف الله السحاتي: سميت كتائب الشهيد راف الله السحاتي باسم واحد من أوائل الليبيين الذين قضوا نحبهم أثناء قتالهم قوات القذافي في مارس 2011 في بني غازي. وبدأت الجماعة ككتيبة ضمن لواء شهداء 17 فبراير قبل أن تتوسع وتصبح جماعة مستقلة بذاتها. ويقدر عدد المنتسبين إليها 1000 عضو ينتشرون في شرق ليبيا وفي الكفرة. وشاركت تلك الكتائب في تأمين الانتخابات الوطنية وغيرها من عمليات وزارة الدفاع في شرق ليبيا. واستنكرت كتائب راف الله السحاتي مقتل السفير الأمريكي في بني غازي.