مطر ..مطر ..مطر ..تركها لنا السياب أنشودة نتلذذ بها كلما هطلت أولى قطرات المطر في شتائنا العراقي القصير ، ذلك ان المطر يثير في النفوس أحاسيس شفافة ويستخرج من أعماقنا شيئا من الرومانسية المخبوءة تحت أكداس الواقع ومتاعبه ومرارته ..لقد ظل المطر دائما رمزاً للخير والرخاء والعطاء ..أما مطرنا الذي زارنا مبكراً هذا العام فلم ينجح في استخراج رومانسيتنا ولاحتى شيئا منها اذ غرقت الشوارع بالمياه وصارت المركبات تخوض في شوارع تشبه البرك في المناطق الشعبية خصوصا كما أصيبت الكهرباء بعوارض فنية طارئة تسببت بانقطاع الكهرباء في مناطق مختلفة وطوال فترة هطول المطر ..
مطر السياب الجميل صار ضيفاً ثقيلاً يتقاذف المسؤولون كرات الاتهام بشأنه كلما غرقت بغداد فمجلس محافظة بغداد يتهم أمانة بغداد بالتقصير ويتهم المسؤولين بعدم النزول الى الشارع ، وأمانة بغداد تتهم المواطن بالمشاركة في انسداد المجاري والمواطنون يتهمون الجميع حتى المطر ذاته لأنهم المتضررون في هذه القضية ، فمنهم من سقط سقفه المتهرئ على عائلته او اقتحم الماء منزله لتطفو قطع أثاثه فلاذ بالطابق الثاني ليحمي به عائلته واذا لم يكن هناك طابق ثان فربما تنقذه ( البيتونة ) من الغرق حتى انقضاء المطر ، ومن كان بيته متماسك البناء ومنطقته السكنية قليلة التأثر بالمطر فقد خاض في الماء حتى منتصفه هو او احد أفراد عائلته في طريق عودتهم من دوامهم او تعطلت مركبته وهكذا جاءت عطلة اليوم الثاني التي منحها رئيس الوزراء للشعب المتضرر مشكوراً ليس حلاً للمطر بل إنقاذاً للمواطنين الموظفين والطلاب منهم خصوصاً من تكرار معاناة اليوم السابق اما من تضرر فعلا فليس عليه إلا انتظار جفاف الشوارع من المطر بقدرة قادر فمهما فعلت أمانة بغداد او محافظها ببدلة عمله ونزوله الى الشارع فلن يمكنهم السيطرة على الوضع خلال يومين فقط ..
قبل سنوات ، أدلى احد المسؤولين بتصريح جميل حين قال : يراد للعراق عشر سنوات كاملة لتستقر أوضاعه تماماً وتخلو ساحته من الاضطرابات ويتعلم فيه الإنسان كيف يبني بلده بدلا من ان يدمره ..كان المسؤول متفائلا جدا فرسم أملاً جميلا للعراقيين بتصريحه الذي لم يستند وقتها الى الحقائق بل الى التخمينات والتوقعات وكانت توقعات المسؤول خاطئة تماماً فما حدث في العراق بعدها أضاع قدرة المواطن على حساب السنوات التي ينتظر بعدها الاستقرار لأنه لم يشعر به يوما وهو ينسحق تدريجياً تحت دوامة الإرهاب والخلافات السياسية والأطماع والأنانية..والآن ، وبعد مرور اكثر من عشر سنوات ، مازال الاستقرارغائباً ، أما البناء واكتمال الخدمات فلن يتم مادام العراق باقياً على قمة الدول الأكثر فساداً سياسياً وإدارياً في العالم ومادام هناك مواطنون لايفكرون بعواقب إلقاء (محرك سيارة ) قديم او (جثة حمار ميت ) في فتحة المجاري ويتوقعون ألا يحصل انسداد فيها حين يزورنا المطر ..
مايحدث في العراق مسؤولية لايجب ان يتقاذف الجميع كرات الاتهام بشأنها بل ان يفكروا بحلول لها فالمواطن مطالب بالمحافظة على ماتمنحه له الدولة من خدمات متواضعة والجهات الخدمية عليها ان تبذل جهودها للتكاتف لإنقاذ المواطن أما الجهات المسؤولة عن ( انفاق المال ) فليتها تكف عن تبذير المال على شؤونها الخاصة أو لتلميع وجه بغداد بينما يغطس القاع في الإهمال ويحتاج الى التفاتة كتلك التي شملت الكهرباء بعطفها فلم تعد تنقطع ، فكما وفروا النور ، يمكنهم إذن حماية بغداد من الغرق ..وبقدرة قادر أيضاً !
قدرةُ قادر
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2013: 09:01 م