TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قدرةُ قادر

قدرةُ قادر

نشر في: 18 نوفمبر, 2013: 09:01 م

مطر ..مطر ..مطر ..تركها لنا السياب أنشودة نتلذذ بها كلما هطلت أولى قطرات المطر في شتائنا العراقي القصير ، ذلك ان المطر يثير في النفوس أحاسيس شفافة ويستخرج من أعماقنا شيئا من الرومانسية المخبوءة تحت أكداس الواقع ومتاعبه ومرارته ..لقد ظل المطر دائما رمزاً للخير والرخاء والعطاء ..أما مطرنا الذي زارنا مبكراً هذا العام فلم ينجح في استخراج رومانسيتنا ولاحتى شيئا منها اذ غرقت الشوارع بالمياه وصارت المركبات تخوض في شوارع تشبه البرك في المناطق الشعبية خصوصا كما أصيبت الكهرباء بعوارض فنية طارئة تسببت بانقطاع الكهرباء في مناطق مختلفة وطوال فترة هطول المطر ..
مطر السياب الجميل صار ضيفاً ثقيلاً يتقاذف المسؤولون كرات الاتهام بشأنه كلما غرقت بغداد فمجلس محافظة بغداد يتهم أمانة بغداد بالتقصير ويتهم المسؤولين بعدم النزول الى الشارع ، وأمانة بغداد تتهم المواطن بالمشاركة في انسداد المجاري والمواطنون يتهمون الجميع حتى المطر ذاته لأنهم المتضررون في هذه القضية ، فمنهم من سقط سقفه المتهرئ على عائلته او اقتحم الماء منزله لتطفو قطع أثاثه فلاذ بالطابق الثاني ليحمي به عائلته واذا لم يكن هناك طابق ثان فربما تنقذه ( البيتونة ) من الغرق حتى انقضاء المطر ، ومن كان بيته متماسك البناء ومنطقته السكنية قليلة التأثر بالمطر فقد خاض في الماء حتى منتصفه هو او احد أفراد عائلته في طريق عودتهم من دوامهم او تعطلت مركبته وهكذا جاءت عطلة اليوم الثاني التي منحها رئيس الوزراء للشعب المتضرر مشكوراً ليس حلاً للمطر بل إنقاذاً للمواطنين الموظفين والطلاب منهم خصوصاً من تكرار معاناة اليوم السابق اما من تضرر فعلا فليس عليه إلا انتظار جفاف الشوارع من المطر بقدرة قادر فمهما فعلت أمانة بغداد او محافظها ببدلة عمله ونزوله الى الشارع فلن يمكنهم السيطرة على الوضع خلال يومين فقط ..
قبل سنوات ، أدلى احد المسؤولين بتصريح جميل حين قال : يراد للعراق عشر سنوات كاملة لتستقر أوضاعه تماماً وتخلو ساحته من الاضطرابات ويتعلم فيه الإنسان كيف يبني بلده بدلا من ان يدمره ..كان المسؤول متفائلا جدا فرسم أملاً جميلا للعراقيين بتصريحه الذي لم يستند وقتها الى الحقائق بل الى التخمينات والتوقعات وكانت توقعات المسؤول خاطئة تماماً فما حدث في العراق بعدها أضاع قدرة المواطن على حساب السنوات التي ينتظر بعدها الاستقرار لأنه لم يشعر به يوما وهو ينسحق تدريجياً تحت دوامة الإرهاب والخلافات السياسية والأطماع والأنانية..والآن ، وبعد مرور اكثر من عشر سنوات ، مازال الاستقرارغائباً ، أما البناء واكتمال الخدمات فلن يتم مادام العراق باقياً على قمة الدول الأكثر فساداً سياسياً وإدارياً في العالم ومادام هناك مواطنون لايفكرون بعواقب إلقاء (محرك سيارة ) قديم او (جثة حمار ميت ) في فتحة المجاري ويتوقعون ألا يحصل انسداد فيها حين يزورنا المطر ..
مايحدث في العراق مسؤولية لايجب ان يتقاذف الجميع كرات الاتهام بشأنها بل ان يفكروا بحلول لها فالمواطن مطالب بالمحافظة على ماتمنحه له الدولة من خدمات متواضعة والجهات الخدمية عليها ان تبذل جهودها للتكاتف لإنقاذ المواطن أما الجهات المسؤولة عن ( انفاق المال ) فليتها تكف عن تبذير المال على شؤونها الخاصة أو لتلميع وجه بغداد بينما يغطس القاع في الإهمال ويحتاج الى التفاتة كتلك التي شملت الكهرباء بعطفها فلم تعد تنقطع ، فكما وفروا النور ، يمكنهم إذن حماية بغداد من الغرق ..وبقدرة قادر أيضاً !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram