TOP

جريدة المدى > عام > فـي ذكرى ميلاده المئوية..هل تنبّأ ألبير كامو بالربيع العربي؟

فـي ذكرى ميلاده المئوية..هل تنبّأ ألبير كامو بالربيع العربي؟

نشر في: 19 نوفمبر, 2013: 09:01 م

قبل قرن مضى ولد ألبير كامو في بيت فقير مزدحم في مدينة الجزائر عاصمة القسم الاستعماري لفرنسا. وسيصبح من أصغر الكتاب الذي يحرزون جائزة نوبل للأدب في عام 1957 وعمره 44 سنة. إن مئوية كامو كشفت عن موجة من الكتب والمؤتمرات والتقييمات النقدية التي تؤكد مكان

قبل قرن مضى ولد ألبير كامو في بيت فقير مزدحم في مدينة الجزائر عاصمة القسم الاستعماري لفرنسا. وسيصبح من أصغر الكتاب الذي يحرزون جائزة نوبل للأدب في عام 1957 وعمره 44 سنة.
إن مئوية كامو كشفت عن موجة من الكتب والمؤتمرات والتقييمات النقدية التي تؤكد مكانته كونه أعظم كتاب القرن العشرين والشخصية التي ما زالت مثاراً للجدل إذ تتردد في أعماله صدى أشواق الربيع العربي وتحديات محاربة التطرف الأصولي في القرن الحادي والعشرين.
كانت أم كامو أمية وفاقدة للسمع جزئياً وأصبحت صامتة في رد فعلها على موت زوجها في الحرب العالمية الأولى. وكان الصبي لم يكن يبلغ الثانية من عمره. وحين حصل على المنح الدراسية والمعلمين الجيدين تلقى كامو تعليماً كلاسيكياً؛ انتقل إلى فرنسا مع بدء الحرب العالمية الثانية ونشر رواية مشهورة هي "الغريب" حين كان في التاسعة والعشرين. وكتب في باريس لجريدة سرّية أثناء فترة المقاومة ضد النازية. وكان منتجاً بعد الحرب لكن بعد ثلاث سنوات من منحه جائزة نوبل توفي في حادث سيارة في فرنسا.
في سنواته الأخيرة كان كامو محل احتقار من قبل حلفاء سابقين بسبب رفضه الاعتراف بجبهة التحرير الوطني في الجزائر التي كانت تسعى للاستقلال من فرنسا. شجب كامو فرنسا بسبب سياستها العسكرية في تعذيب السجناء الجزائريين. لكنه ... في مؤتمر صحفي في ستوكهولم حين تسلم جائزة نوبل قال:" الناس الآن تزرع القنابل في الترامواي في الجزائر. وربما تكون أمي في إحدى تلك التراموايات. فإن كانت هذه هي العدالة فإنا أفضل أمي".
وأوضح كامو رؤيته في "تمجيد العدالة للكفاح ضد الظلم الداخلي" قبل عقد مبكراً تقريباً وسط الصدمات التي لحقت الاحتلال النازي. وقد انفصل عن جان بول سارتر والحزب الشيوعي ما بعد الحرب بعد أن ألف كتاب" الإنسان المتمرد" الذي نشر في عام 1951.
جذب الاشمئزاز الغربي من الهولوكوست انتباه كامو لكنه وسّع نقده كي يشمل الماركسية الشمولية كوعد كاذب من أجل مجتمع يدعو إلى المساواة. كانت العدالة خط الأساس بالنسبة له.
كتب كامو "ما الإنسان المتمرد؟ إنه إنسان يقول لا، ولئن رفض، فإنه لا يتخلى. فلا بدّ للمتمرد من أن يكون مقترناً بشعور المرء بأنه على حق، بصورة ما وفي مجال ما".
إن رفض كامو للانحياز لأي من الطرفين في حرب الجزائر جعله موضع جدل سياسي حين نشر "السجلات الجزائرية " عام 1958. قتل العسكر الفرنسي أكثر من مليون جزائري ،إذ أن الحرب حجبت دعوته للهدنة ودفاعه عن جزائر ديمقراطية في اتحاد مجدد مع فرنسا. وبعد أن وجه سهام نقده للفظاعات التي ارتكبت من قبل الطرفين فإن كامو انسحب واستسلم للصمت والقلق.
إن صمت "كامو" عن الحرب التي دمرت بلده الجزائر، وهي مصدر كل صوره تقريباً عن الجمال الدنيوي، لم يتجاوز الأخلاق. وبدلاً من ذلك فإن صمته نبع من اعترافه بأن الذين تعرضوا للإساءة قد تلقوه من الطرفين" كما يكتب روبرت زارتسكي في كتابه المنشور حديثاً والذي يتحرى فيه حياة كامو وميراثه بعنوان" حياة تستحق العيش: ألبير كامو والبحث عن معنى".
في عام 1958 تجاهل النقاد في باريس كتاب "السجلات الجزائرية" إذ لم يهاجموها أو يطرونها. – وهي إشارة إلى إن كامو وجائزة نوبل وكل ما يتعلق بهما قد أخفق بشكل شديد .
وكجزء من الاحتفالية بمئوية كامو فقد نشرت حديثاً "السجلات الجزائرية" في الإنكليزية وتدل المراجعات الإيجابية عنها على مكانة كامو السامية في ضوء التاريخ.
إن تبرؤ كامو من الإرهاب بأي قناع أنذر بآلام الجزائر إذ عاش ليراه ويحزن من أجله.
بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها انحدرت إلى الدكتاتورية ،إذ تجاهلت روح العدالة التي كان كامو يدافع من أجلها. وفي التسعينات قام الإرهابيون الإسلاميون باغتيال الشرطة والأساتذة والأطباء وأغلبهم من المسلمين. وقد مات حوالي 10000 شخص في تلك الحرب الأهلية القاسية التي انتهت في أوائل عام 2000. وكما كتب ديفيد بلير في صحيفة التلغراف فإن " المؤامرة المبهمة للجنرالات التي لا يمكن أن تزاح والمعروفة للجزائريين باسم " le pouvoir، ما زالت تسحب خيوط السلطة".
على الرغم من الجدل المستمر حول صمت كامو عن حرب الجزائر إلا أنه اكتسب شهرة عالمية كونه شخصية أخلاقية وفي الأقل بسبب حملته الشديدة ضد تنفيذ أحكام الإعدام.
غير أن مؤلفاته لم يجر تعليمها بصورة واسعة في المدارس الجزائرية. وتقول( سفيانه حجاج) المحررة في "أديسيو بارزاك" في الجزائر بأن " كامو يبقى جزءاً من التراث الثقافي بنفس شهرة القديس أوغسطين. كامو بالنسبة لي كاتب جزائري. إنه فهم حقيقة المجتمع الجزائري وتعاسته".
يفتتح كتاب "السجلات الجزائرية" بتقرير المحرر الشاب في عام 1939 وهو يعرض المجاعة في الريف الجزائري أمام البيروقراطية المتثائبة في باريس.
وكتب في "السجلات الجزائرية" " الشعب العربي أراد الحق في التصويت لأنه عرف بأنه من خلاله ومن خلال التمرين الحر على الديمقراطية فمن الممكن أن يقضي على الظلم الذي يسمم المناخ السياسي في الجزائر اليوم".
حين تحل كلمتا "مصر" أو" تونس" في نهاية تلك الجملة يكون من الممكن تصور أن كامو يكتب عن الشرق الأوسط اليوم.
يقول زارتسكي مؤلف كتاب " حياة تستحق العيش" وأستاذ التاريخ في جامعة هيوستن لغلوبال بوست:" إن الربيع العربي يعزز من فهم كامو للتمرد. إذ أن الوجود الفردي يعامل بأقل من الإنسان الذي يقف على أرضه قائلاً:" كفى، سوف أقاوم هذا الانتهاك. يجب أن يتوقف هذا الاغتصاب الكمالي".
"بالنسبة لكامو، كان في منتهى القلق أن تجد تلك اللحظة حين يكتشف الفرد بأن هناك آخرين يقولون الشيء ذاته ويتصرفون حسب هذا الاعتراف. إنه شيء نشترك فيه جميعاً، كمالنا وكرامتنا. إن ما تتطلبه تلك الصفات في الآخرين هي أنك تقاوم ولا تفقد النظر أبداً للإنسانية. إنّ المستعمَر إنسان مثل المستعمِر؛ الإجبار على التراجع ضروري على أن لا تتحول إلى مستبد أو قاتل بنفسك".
يقول زارتسكي" وبغض النظر عن تونس فإن أغلب ثورات الربيع العربي فشلت ،فهي إما آلت إلى الأعمال الوحشية العائدة إلى السلطة كما في مصر أو إلى الحرب الأهلية- مثل سوريا. فالاحتجاجات ضد الأسد في البدء كانت تمرداً من النوع الذي كان في ذهن كامو- سلمية، لا تنزع حياة إنسان إلا إذا لم يكن هناك ثمة خيار. والآن آلت البلد إلى بلقان جديدة".
يسجل زارتسكي في كتابه كيف أن كامو احتجّ ضد استعمال العسكر الفرنسي للتعذيب. ومع ذلك "كان مشمئزاً من صمت أصدقائه في اليسار الفرنسي بالنسبة لإرهاب جبهة التحرير الوطني الذين قتلوا قادة الحركات الوطنية المنافسة لهم... وحث كامو الطرفين على الاعتراف باشتراكهما في الجريمة".
وعبر جاك ماسو- 92 سنة- الكولونيل الفرنسي الذي مارس سياسة التعذيب عن أسفه عن ذلك في مقابلة مع صحيفة اللوموند الفرنسية في عام 2000 ودعا ذلك خطأ.
وقال زراتسكي لموقع غلوبال بوست:" كما عرف الفرنسيون في الخمسينات فإننا علمنا بعد أحداث 11 أيلول في أمريكا بأن تبرير التعذيب يجعل من الناس الذين مارسوه فظين ولاأخلاقيين وذليلين".
ويضيف بأن " أساليب التحقيق المحسن لم تعد تنفع. لقد ارتبطنا بغوانتانامو كذكرى لما فعلناه. ونحن نبني دولة المراقبة. وأتساءل ماذا سيعتقد كامو حول ذلك. سوف ترعبه خطة حرب درون (الهجمات التي تشنها الحكومة الأميركية على الإرهابيين وخصوصاً في الحدود الأفغانية الباكستانية باستعمال المركبات الموجهة التي لا يقودها الإنسان). هل هناك شكل من أشكال خطة الحرب أكثر تجريدية؟ فالشخص الذي يسحب الزناد هو على بعد 5000 ميل ولديه انطباع بأن هذه عملية جراحية... لقد انحدرنا كديمقراطية".
كان كامو يهتم قليلاً بالسياسة وتحولت فكرته عن الديمقراطية إلى الحرية الفردية والتي تدعمها العدالة غير المقيدة. في " شجر اللوز" وهي مقالة كتبت في 1940 قبل أن تقع فرنسا في أيدي هتلر كتب متنبأ بشكل مثير- وبأمل متسام قابل للتطبيق بشكل ممتاز اليوم:
"يجب أن نرتق ما تم تمزيقه ونجعل من العدالة قابلة للتصور مرة أخرى في عالم من الواضح أنه في غاية الظلم ونعطي السعادة معنى مرة أخرى إلى الناس الذين تسمموا بسبب بؤس القرن. وهذه بطبيعة الحال مهمة إنسانية سامية. لكن الإنسان السامي هو مصطلح لرجال المهمات الذين يستغرقون وقتاً طويلاً لتحقيق ذلك. تلك هي المسألة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram