TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هولاند يفتش عن دور

هولاند يفتش عن دور

نشر في: 19 نوفمبر, 2013: 09:01 م

إن سلّمنا جدلاً بأن موقف فرنسا متوازن، وأنه بسبب صداقتها لإسرائيل وللفلسطينيين، فإن باستطاعتها أن تلعب دوراً مهماً في تجسير الفجوات بين الجانبين، وصولاً إلى تسوية، عبر التفاوض، تتيح لدولتي إسرائيل وفلسطين التعايش بسلام وأمن، في ظل القدس عاصمة للدولتين، فإن ما قيل عن هذا "التوازن" تجلى في خطابيه أمام الكنيست الإسرائيلي وفي رام الله، حيث جدد رفض بلاده لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكد أن استمرار الاستيطان يُهدد حل الدولتين، وفي دعوته للرئيس الفلسطيني إلى بذل المزيد من الجهد، والبرهنة على "واقعيته" في ما يتعلق بمجمل القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ختم "توازنه" بالقول إن حق فلسطين في دولة ذات سيادة لا يتعارض مع حقوق إسرائيل، مؤكدا أن وجود دولة فلسطينية هو ضمانة لأمن وسلامة إسرائيل.
لم يأت هولاند بجديد فيما يتعلق برفض فرنسا لسياسة الاستيطان، ذلك أن سياسات الحكومات الإسرائيلية في هذا الصدد، مرفوضة من كل دول العالم، لتعارضها مع القوانين الدولية، وإن كان ذلك يتم على استحياء أو تواطؤ، لكن الجديد هو مطالبة الفلسطينيين التحلي بالواقعية فيما يخص اللاجئين، ما يعني عملياً التخلي عن حق العودة للفلسطينيين الذين طردتهم الدولة العبرية من أراضيهم، واستولت على أملاكهم بقوة السلاح والواقع الذي فرضته، وبما يُفضي إلى تطبيق خطط نتنياهو حول يهودية الدولة، وهو عبّر عن ذلك بوضوح، حين دعا الرئيس عباس إلى زيارة الكنيست الإسرائيلي، وبقصد الاعتراف بالرابط التاريخي بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، وهي دعوة خبيثة هدفها الحقيقي تزوير التاريخ، والإيهام بأن اليهود كانوا في هذه الأرض قبل الكنعانيين.
كان مُهماً حين دعا هولاند إلى اعتماد حل واقعي لقضية اللاجئين، أن يدرك أنه حتى في ظل واقع الضعف الراهن للفلسطينيين، فإن أي زعيم أو قائد فلسطيني، لا يملك ولا يستطيع التنازل عن حق العودة، وأن هذا الحق مضمون أخلاقياً ومبدئياً ،ومقر بكل القوانين الدولية، وأنه لامجال للمقايضة بين وقف الاستيطان وحق العودة، في حين يُفترض أن يتم الحديث عن تفكيك المستوطنات غير الشرعية، التي تنتشر كالسرطان في الأرض الفلسطينية، وأن يتم الالتزام بالمبادرة العربية، وهي أقصى ما يمكن للفلسطينيين والعرب تقديمه من تنازلات، أما أن يحاول اللعب على الكلمات، من خلال رفضه وصف الاستيطان بغير الشرعي، كما سبقه إلى ذلك نظيره الأميركي، وتشديده في المقابل على إيجاد آلية للتعويض على اللاجئين، ودعوته المرفوضة إسرائيلياً لأن تكون القدس عاصمة لدولتين، فإن ذلك يعني أن الرجل لم يقدم أي جديد، وحتّى لو أقيمت الدولة الفلسطينية اليوم، على أساس اتفاق مرحلي، فإن الصراع العربي الإسرائيلي سيظل ناراً تحت الرماد، إلى أن يتم حل مشكلة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني طُردوا من ديارهم، ويعيشون ظروفاً شديدة القسوة في منافيهم، فهل يمتلك هولاند حلاً واقعياً لمأساتهم؟
زيارة هولاند إلى إسرائيل، وتصريحاته المتشددة المتعلقة بالنووي الإيراني والمعضلة السورية، والمتناقضة جذرياً مع مواقف واشنطن حيال المسألتين، تندرج في إطار الصراع الدولي المُحتدم حالياً، والذي تخلّت فيه إدارة أوباما عن الموقع المتقدم، وأفسحت في المجال لروسيا بوتين أن تكون اللاعب الرئيس، مثلما تندرج في لعبة ملء الفراغات، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن موقفه من القضية الفلسطينية وأسلوب التوصل إلى تسوية، لن يساعده على حجز مقعد حقيقي في هذه اللعبة، لأنّه يقفز على حقوق خمسة ملايين فلسطيني، يُمكنهم أن يُغيّروا كلّ القواعد التي يسعى لإرسائها، وهو يُناكف واشنطن وموسكو، وكل العواصم الدائرة في فلكيهما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram