حصل في لبنان ما كان متوقعاً ومحسوباً حسابه، لكن الهدف الذي طالته تفجيرات أمس كان خارج دائرة التوقعات، فالسفارة الإيرانية في بيروت تتواجد في منطقة آمنة، محروسة بحلفاء طهران اللبنانيين، حصل الانفجار وتطايرت التصريحات بتحميل إسرائيل المسؤولية، مع أن مطلقيها يعرفون الفاعل، وهم هنا ربما أرادوا التغطية مُسبقاً على رد فعلهم الذي سيطال الفاعل، أو من يعتقدون وقوفه وراء الفعل، المهم أن بالإمكان إدراج ما جرى في دائرة تحويل لبنان إلى ساحة جهاد، ينشط فيها انتحاريو القاعدة، وهم يتراكضون صوب الجنة، والحور العين في انتظارهم.
الانتحاريون أرادوا توصيل الرسالة لطهران، لقناعتهم بوقوفها وراء موقف حزب الله من الأزمة السورية، حد الانخراط في معاركها، كان اللبنانيون يتحسبون لنشاطهم في عاشوراء، وفي مواقع أخرى، لكنهم اختاروا موقعاً أقل تحصيناً وأكثر إيلاماً، يتناسب مع رفضهم للتطورات السياسية التي تشهدها علاقات إيران بالعالم الغربي، لجهة طيّ ملف برنامجها النووي، ولبنان اليوم مرشح لإعادة إنتاج التجربة العراقية في التفجيرات الانتحارية، عشية التسويات المحتملة لأزمات المنطقة.
يتهم البعض جناحاً في دوائر الحكم السعودية بتدبير الانفجارات البيروتية، تحديداً الأمير بندر، على أساس محاولته الحفاظ على دوره، بعد ما يقال عن فشله في إدارة الأزمة السورية، وتخلى واشنطن عن خدماته، وعدم رغبتها بمنحه فرصة أخرى في بلاد الشام، التي يطل عليها من البوابة الأردنية في وقت تسعى فيه الإدارة الأميركية، لعقد مجموعة مترابطة من الصفقات مع القوى الدولية والإقليمية، تتيح لها حجز مقعد متقدم في صدارة المشهد الدولي الجديد، في هذه الحالة سيكون بندر حملاً ثقيلاً يضعها أمام خيار التخلص منه ،في حركة تطال أسس ما هو قائم في القصور السعودية، أو محاباته إن تغيرت الاتجاهات، وهي تتغير باستمرار، وبسرعة غير مألوفة ولا مفهومة في كثير من الأحيان.
تفجيرات الثلاثاء ضد السفارة الإيرانية في بيروت، لم تكن معنية بالسياسة اللبنانية على ما فيها من تعقيدات، والهدف لم يكن عشوائياً، تم انتقاؤه بدقة تتناسب مع الرسالة المراد توصيلها، القاعدة ومن يقف خلفها قادرة على ضرب إيران، باعتبار أن السفارة أرض إيرانية، وفي ذلك قيمة معنوية شديدة الوضوح، والتوقيت لم يكن عشوائياً، إذ تزامن مع التحضير لاستئناف مفاوضات جنيف حول المشروع النووي الإيراني، مع نشوب الخلافات بين باريس وواشنطن حول هذا الملف، وتلتبس الأمور حين نقرأ موقف الرياض من كل ما يجري، ومحاولاتها الحفاظ على دورها، حتى وإن تطلب الأمر قلب الطاولة.
ثمة من يتحدث عن أنّ "داعش" قررت مؤخراً غزو الساحة اللبنانية في وجهها الشيعي، لنقل معركتها من الأراضي السورية إلى اللبنانية بوجه طائفي سافر، بمعنى أن المعركة ستكون مع حزب الله، بعد عدم انصياعه لتحذيرات من شيوخ داعش، تدعوه للانسحاب من سوريا ووقف القتال ضد أتباع السنة فيها، والتبرؤ من الأسد والذين يقفون معه، وربما كانت تفجيرات الثلاثاء رداً على التحولات التي شهدتها معركة القلمون وبعض ريف دمشق، أو رداً على الظواهري الذي ألغى هذا التنظيم الجديد، وأعاد "دولة العراق الإسلامية" إلى حدودها الجغرافية، دون ضم الشام إليها وتركها لجبهة النصرة.
وبعد، وبغض النظر عن كل التحليلات والاتهامات، فإن ما جرى في بيروت الثلاثاء، كان اعتداءً على السيادة الإيرانية، ممثلةً بسفارتها في بلاد الأرز، وقد وصلت الرسالة وما علينا غير انتظار الجواب.
وصلت إلى طهران عبر بيروت
[post-views]
نشر في: 20 نوفمبر, 2013: 09:01 م