تكتسب زيارة الرئيس مسعود بارزاني لتركيا أهميتها من توقيتها، حيث تتزامن مع إعلان بعض كرد سوريا منطقة إدارة ذاتية في مناطقهم، وهم المعروفون بتبعيتهم لحزب العمال الكردستاني "التركي"، وبديهي أن ذلك تم بتشجيع من النظام السوري، وتأخذ الزيارة بالاعتبارتطورات الأوضاع في تلك المنطقة، وما سينجم عنها إن نجحت خطط تحويلها إلى ميدان لتصفية حسابات الأسد مع تركيا من جهة، ومع إقليم كردستان العراق الذي اتخذ مواقف معلنة منذ انفجار الأزمة السورية المتفاقمة، لم تُرضِ لا إيران ولا النظام السوري، في وقت يرى فيه البعض، أن الزيارة التي استحقت وصفها بالتاريخية، ستكون الخطوة الأولى على طريق سينتهي بعدم استغلال القضية الكردية لإذكاء الصراعات في المنطقة، سواء من قبل الدول الغربية أو حلفائها في المنطقة.
شدد بارزاني وهو يعمل لمصلحة أبناء أمته على أهمية السلام، لكنه شدد أيضا أن عملية بنائه هي الأكثر صعوبة، ولهذا دعاهم إلى العمل على بناء مستقبل قائم على العدالة والحقوق، بانتهاج طريق السلام وليس الصراعات، وذلك ما دعا المراقبين للإشادة بنجاح الحكومة التركية، في إثبات رغبتها وقدرتها بصراحة ودون مواربة، على سلوك طريق المصالحة مع الكرد، حين فتحت أحضانها لأقوى زعيم كردي في المنطقة، يُدير منطقة حكم ذاتي في كردستان العراق، ولتؤكد أنه من الآن فصاعداً لن تكون أي قوة إقليمية قادرة على استغلال القضية الكردية لممارسة سياساتها في المنطقة.
عشية زيارته إلى ديار بكر، ندد بارزاني بإعلان حزب كردي في سوريا، يُعتبر امتداداً تنظيمياً لحزب أوجلان، عن إنشاء إدارة مدنية في المناطق ذات الغالبية الكردية، التي تحولت منطقة ملتهبة على الحدود السورية العراقية التركية، وهذا بالطبع ما أغضب الأتراك، ودفعهم للبحث عن حليف مؤثر، وجدوه في شخص بارزاني، الذي يعتبر الزعيم القومي للكرد حيثما تواجدوا، للمساعدة في تهدئة أبناء أمته، لمواجهة التدخلات الإيرانية السورية، الرامية لهز استقرار تركيا الداخلي، خصوصاً وأن أردوغان تمكن مؤخراً من وضع خارطة طريق للتعامل مع الكرد في بلاده، بينما تسعى إيران لهدم الاتفاقية التي كانت وقعتها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني لوقف إطلاق النار، ولعودة هذا الحزب إلى العمل السياسي، في إطار التحولات الديمقراطية المهمة، التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة.
تؤشر التقلبات السياسية التي تقود حزب العمال الكردستاني للعودة حليفاً للنظام السوري، إلى تناسيه أن هذا النظام هو من طرد زعيمه أوجلان عام 98، وهي تقلبات مثيرة للدهشة، خصوصاً إن راجعنا تاريخ هذا الحزب، الذي نشأ يسارياً برعاية موسكو، لمشاغلة النظام التركي، الذي يشكل المخفر المتقدم لحلف الأطلسي في مواجهة حلف وارسو أيام الاتحاد السوفيتي ، وهي تقلبات كان من مصلحة الكرد أن تنهي هذا الدور، وأن يتفرغ هذا الحزب لتحقيق تطلعات كرد تركيا، الذين وجدوا أنفسهم يبحثون عن قائد وطني، يبدو أنهم سيجدونه في شخص بارزاني، الذي يُكرس نفسه اليوم لتحقيق آمال أبناء أمته بذكاء وصبر، وقدرة فائقة على المناورة في حقل ألغام، لعل من تجلياته تفجير مركز الأمن في أربيل، الذي تبنته دولة العراق والشام الإسلامية التي تحوم الشكوك حول وقوف طهران خلفها، ولو من وراء ستار، بهدف توتير المنطقة طائفياً، وبما يخدم أهدافها.
زيارة بارزاني لتركيا، واستقباله فيها كزعيم قومي للكرد لها ما بعدها، ولن تتوقف تداعياتها عند حضور حفل زفاف جماعي، وعلينا انتظار انجلاء الغيمة المحيطة بالأزمة السورية لنكتشف تلك التداعيات، حتى لو أخل حزب أوجلان باتفاقاته مع حكومة أردوغان.
بارزاني في تركيا خطوة في الاتجاه الصحيح
[post-views]
نشر في: 22 نوفمبر, 2013: 09:01 م