لا يُمكن لعاقل المجادلة في حق المواطن بالمطالبة بالإصلاح، غير أن محاولة بعض الجهات السياسية، وخصوصاً فئة من الإخوان المسلمين، ركوب الموجة ومحاولة القفز إلى مواقع السلطة، يجب أن يكون خطاً أحمر عند الإصلاحيين أنفسهم، مع ضرورة ملاحظة التجربة المصرية التي أضرت بالحراك الثوري، عندما أنتجت نظاماً إسلاموياً يعتمد الإقصاء والتهميش، وتضيع فيه المسؤوليات بين الرئيس و"المرشد" المُنزّه عن الخطأ والمعصوم والوصي على عقول الناس، سواءٌ كانوا من أتباع تنظيمه أو انتسبوا لأحزاب سياسية لا تحمل فكر الإخوان ولا تسعى لتحقيق أهدافهم.
في الأردن عاد الإخوان إلى ساحة المسجد الحسيني بعد صلاة الجمعة، وهم يهتفون بسقوف عالية لم نعتد سماعها لا منهم ولا من غيرهم، وهم يؤكدون أن ما يجري في المنطقة، وفي مصر خصوصاً، لم يُضعف مطالباتهم بإحداث ما يصفونه بالإصلاح الحقيقي. والغريب أن مجموعة من الحركات الشبابية سارت تحت رايات الإخوان رافضة معهم قرارات الحكومة برفع أسعار المحروقات، وهي قرارات اتخذت منذ فترة ليست قصيرة، واستهدفت تصحيح خلل اقتصادي واضح. صحيح أن الجمهور لم يفرح بها لكن زمان رفضها مضى وانقضى، وبما يعني أن الإخوان يستغلون المشاعر الشعبية، للوصول إلى أهداف تتباين مع أهداف من تظاهر تحت راية "الإسلام هو الحل".
تعبيراً عن تبعية إخواننا لإخوانهم المصريين، سيطرت شعارات رابعة العدوية والهتافات المؤيدة للمتظاهرين ضد ما يجري في مصر، والمؤيدة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، على مسيرة الجمعة، وبرّر بعض قادتهم ذلك بالقول إن تطورات الوضع العربي، خاصةً في مصر وسوريا، أثرت على حراكهم، وأنهم لن يتوقفوا حتى تتحقق مطالبهم، معتبرين أن النظام الأردني يحاول الاستفادة مما يجري في المنطقة، للاستمرار في إدارة الظهر لمطالب الإصلاح الحقيقي، مؤكدين أنه لا يوجد في كل مؤسسات النظام من يريد الحوار، وأن الجميع يدير الظهر للشعب والمطالبين بحقوقه.
كنا نظن ونأمل أن تبادر جماعة الإخوان في الأردن وغيرها، بعد فشل تجربتها في مصر، إلى مراجعة سياسية وفكرية، تقودها إلى مربع الشراكة بمفهومها الوطني، مع الأحزاب والقوى السياسية في الساحات التي تنشط فيها، وأن تراجع مواقفها الإعلامية المتشنجة التي تضع تنظيم الإخوان في موقع ما فوق النقد، وتتوقف عن اعتبار نفسها امتداداً لرسالة السماء غير القابلة للنقاش، وأن تتخلى عن تجنيد تنظيمها في بعض الأقطار، خدمة للتنظيم في مواقع أخرى من العالم، لكن الواضح أن ما تمنيناه لم يتجاوزنا إلى المفاصل الرئيسية في جماعة الإخوان، وهي تتبع سياسات إقصائية، تعمل على استثمار التحولات الراهنة في عالمنا العربي، من خلال الإشادة بالعمليات الارهابية التي تستهدف الجنود المصريين او الملامح المدنية في تونس، وتجد إعلاماً رخيصاً مشبوهاً ينشر ويروج لافكارها.
ينتج عن هذه الحالة، محاولة بعض الساسة والتنظيمات السياسية، تأليب الأنظمة والجماهير ضد الإخوان وما شكلوه من أحزاب، ليحلّوا محلهم بعد اجتثاثهم من الحياة السياسية، وينتج أيضا تحول الجماعة إلى العمل السري، الذي يتسم عادة باللجوء إلى العنف والإرهاب، ما يستدعي اللجوء إلى قوانين الطوارئ المُكبلة للحريات، ومنع التوصل إلى حالة توافق سياسي وطني شامل، تحت شعار "الدين لله والوطن للجميع"، فنحن في نهاية الأمر، وسواء قبلنا أو رفضنا، أمام واقع تُشكل فيه حركات الإسلام السياسي جزءاً من الوجود السياسي لا يمكن إلغاؤه، بينما المطلوب دمجه في الحالة الوطنية، بدل التصادم معه.
الإخوان ومحاولة اجتثاثهم
[post-views]
نشر في: 23 نوفمبر, 2013: 09:01 م