TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في تحوّلات صخرة الاتحاد العربي الكردي: وأخيراً غرقت...!

في تحوّلات صخرة الاتحاد العربي الكردي: وأخيراً غرقت...!

نشر في: 23 نوفمبر, 2013: 09:01 م

لم اصدّق ما قيل عن دور "صخرة كبيرة" في التسبب بإغراق بغداد، في فيضانٍ غامر، أتى على البيوت والشوارع والميادين، فحولها كلها إلى مسبح عائم غير صالح للسباحة، لكنه قدم خدمة كريمة لأهالي عاصمة المائة والعشرين مليار دولار، إذ عوّمَ كل أزبال وفضلات المدين

لم اصدّق ما قيل عن دور "صخرة كبيرة" في التسبب بإغراق بغداد، في فيضانٍ غامر، أتى على البيوت والشوارع والميادين، فحولها كلها إلى مسبح عائم غير صالح للسباحة، لكنه قدم خدمة كريمة لأهالي عاصمة المائة والعشرين مليار دولار، إذ عوّمَ كل أزبال وفضلات المدينة، وجرفها في سيلٍ ممتدٍ عابر للطوائف، دون قصدٍ، وهو يتنقل بها من حيٍ شيعيٍ إلى آخر سنيٍ، وكأن الأهالي يقولون: "ها هي حكومتنا الرشيدة" اهتدت اخيراً ،الى وسيلة ناجعة تُوَحِدُنا بها، ولا تميّز مصائر طرفٍ منتمٍ لطائفة على حساب طرف منتمٍ لطائفة من الضفة المقابلة..!

لم اصدق أن السيد رئيس مجلس الوزراء ،يمكن ان يقول بلهجة واثقة في خطاب الأربعاء، ان متآمرين وضعوا صخرة كبيرة في منافذ مجاري بغداد، على غفلة من حكومتها، وكانت السبب في إغراق عاصمتنا، وتعكير مزاج الناس، وتحريضهم على الحكومة الرشيدة التي يتولى هو رئاستها على مدى ثمانية أعوام عجاف، شهدت اكثر من طوفانٍ، دون ان تكتشف اجهزة المخابرات ودوائر الامن وقوات بغداد، وسوات، ان وراء كل طوفان تآمراً متقناً دونه استعصاء اكتشاف المفخخات والانتحاريين وهم يعبرون الاجهزة الكاشفة المزورة.

تذكرت، بين مصدقٍ وحائر، حوادث مماثلة حول تحولات "صخرة" لعبت أدواراً خطيرة في حياة العراقيين، ومصائر دولتهم، وأصبحت بالنسبة لبعض المحتالين، والعابثين بالأمن الوطني، مصدر ارتزاقٍ وفيرٍ، واداة ترويعٍ لكبار رجالات السياسة والتجارة والاعمال، في اعقاب ثورة الرابع عشر من تموز، وإبان الصراع المؤسف بين القوى والاحزاب الوطنية، التي لعبت دوراً مشهوداً في التمهيد للثورة ونجاحها، وكان لصراعها اثر سلبي مؤسف على المآل الحزين للثورة وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم.
كانت الثورة مركزاً لاستقطاب الأطراف السياسية المتصارعة، واعتمد البعث وحلفاء له، سلاح تخريب الثورة والتآمر على الجمهورية الفتية، بدعمٍ متنوع من الخارج "العربي" والإقليمي والدولي. واستُخدمت في هذا النشاط "التآمري" كل الوسائل، من تشويه إجراءات وتدابير الحكومة، واللجوء الى الاغتيالات السياسية، والتهريب المتعمد، واستقطاب المتضررين من السياسة الثورية الجديدة في حلف غير مقدس، شعاره الرئيس: يا أعداء الشيوعية اتحدوا..!
وبطبيعة الحال فأن صياغة الشعار، أخذت بالحسبان، كسب كبار الإقطاعيين وازلام النظام السابق وكل الجوقة التي سُميّت يوم ذاك بالقوى الرجعية. لكنها تقصّدت ايضاً تخويف جموع المؤمنين، واظهار الصراع كما لو انه بين "حماية حمى الدين" و"سيادة الكفر والإلحاد"! وفي هذا السياق كانت القوى "الرجعية المتآمرة" تندد بقانون الاصلاح الزراعي، وقانون رقم (٨٠ ) الخاص بالنفط وعمليات انتاجه، وقانون الاحوال الشخصية، والعشرات من القوانين والتدابير الوطنية، التي كانت لصالح الفقراء والمستضعفين، وتكرس قيم العدالة الاجتماعية، وتوطد اسس السيادة والاستقلال الوطنيين.
وبطبيعة الحال فان الصراع، كان يُعبّرُ عنه بالشعارات المتقابلة، المصحوبة بالمظاهرات والمسيرات الجماهيرية، من قبل القوى المناصرة والداعمة للثورة، في حين كانت قوى الثورة المضادة، تعمل في الظلام، مستفيدة من تسامح الزعيم عبد الكريم قاسم، وتواجدها المكثف في اخطر مراكز القرار وعلى رأس بعضها في الجيش والقوات المسلحة ودوائر الامن والمخابرات العسكرية ووزارتي الدفاع والداخلية.
وفي ذلك الزمان كان لـ"الصخرة" مكان مميز في الشعارات التي اطلقتها قوى الثورة. ومن بين الاستخدامات البارزة للصخرة الشعار الذي يقول:
" على صخرة الاتحاد العربي الكردي تتحطم المؤامرات الإمبريالية والرجعية"..!
وتناقلت الجماهير المشاركة في المظاهرات التي اجتاحت جميع المدن العراقية هذا الشعار، فكتبته في لافتات مرفوعة في الشوارع، وعلى حيطان البيوت والدوائر الحكومية، ودخلت في ادبيات الاحزاب ومناشيرها التي كانت توزع بالآلاف في كل مكان وتجمع جماهيري، وصارت "الصخرة" مفردة وقيمة سياسية بحد ذاتها يستخدمها الكتاب في مقالاتهم وهم ينددون بالاستعمار والرجعية واعداء الثورة والجمهورية.
وقد اجتاحت المظاهرات في مدٍ صاعدٍ مدينة البصرة، وعلت الصخرة كشعار محبب للمتظاهرين فوق كل الشعارات الاخرى. وبلمحة بصر، التقط أهمية تلك الصخرة صحفي عرف بذكائه الاحتيالي المتوقد، وشاركه في التخطيط زميل حاد الاحتيال ايضاً، والاثنان عرفا في الوسط الصحفي بألاعيبهما، حتى ان الجرأة بلغت بأحدهما ،ان يذهب الى الفاتيكان، ويلتقي البابا باعتباره ممثلاً لأمير بارز، او ربما كأمير. واشتهر زميله كذلك بدربته على فنون التعارف، حتى ان عبد السلام عارف وشقيقه، كانا يلتفتان في بداية اي فعالية او مؤتمر صحفي ويسألان عنه: أين الأستاذ"..."..!؟
انتقل الزميلان الى البصرة، مع توسع المظاهرات الجماهيرية فيها واشتعالها بشعار "على صخرة الاتحاد العربي الكردي تتحطم المؤامرات الإمبريالية الرجعية". وبطبيعة الحال، فان تلك المظاهرات كانت تسبب قلقاً يكاد يبلغ الرعب أحياناً بالنسبة للبعض من التجار والمتمولين المرتبطين بالنظام الملكي. فما كان من الزميلين الا ان راحا يلفان على بيوت هؤلاء المعروفين بالثراء، فيطرقون ابوابهم، ويبادرونهم بخبر تعرض "صخرة التحالف" الى خطر الغرق في البحر وهي في طريقها الى ميناء البصرة، مما يتطلب جهداً ومالاً استثنائياً لانقاذها..! ولم يكن امام هؤلاء القوم المرعوبين، الا تقديم مالٍ سخي لهما قرباناً للصخرة، واسهاماً في انقاذها..!
وقد شعرت الاربعاء بارتياح بعد قلق دام اكثر من اربعة عقود، لم أعرف خلالها، المصير الذي آلت اليه الصخرة المباركة، حتى ايقظني الحاج ابو احمد المالكي وهو يتحدث عن ان الصخرة لم تغرق على شاطئ البصرة بل غرقت في المجاري او اغرقت بغداد. لكنني حزنت هذه المرة، على مصير صخرة مباركة لعبت دوراً مشهوداً في تحطيم مؤامرات إمبريالية رجعية، لتنتهي بعد طول غياب واهمال الى حالٍ مؤسفة، تصبح فيها متآمرة على عاصمتنا الحبيبة فتودي بها الى الغرق..
ما اغرب هذا الزمان يا ترى، حتى الصخرة لم تحافظ على هويتها الوطنية، فألقي القبض عليها متلبسة بالجرم المشهود..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram