ذات مرة سألني مثقف مصري سؤالا محددا: إيه رأيك بمراسم عاشوراء في العراق هذه الأيام؟ الرجل مهتم بتاريخ العراق وأكثر ما احبه فيه انه يحب العراق بوعي وليس كبعض المصريين والعرب الذين قد يعني حب العراق لديهم حب صدام أولا وأخيرا أحيانا. اعرف انها حقيقة مرّة لكن الحقيقة تظل حقيقة حلوة او مرّة. اذكر لهذا المثقف انه في جلسة حوارية طرح فكرة ان التاريخ كما الطبيعة يظلم ثم يرحم بعد حين. ضرب مثلا بعبد الكريم قاسم وكيف ان التاريخ قد ظلمه، خاصة عند المصريين، لكنه اليوم قد رُد له اعتباره. وضرب لتأييد رأيه أمثلة واقعية وموضوعية.
المهم انني أجبت على سؤاله عن المراسم العاشورائية بأني مثله أتابعها في الأخبار وعلى الشاشات لكني احس بأن أشياء كثيرة فيها قد تغيرت ولم تعد كما كانت عليه من الناحية النوعية. وكلام من هنا وآخر من هناك استأذنني ليطرح عليّ سؤالا محرجا حسب وصفه. سل ولا تتردد يا صديقي. سألني: العراقيون أحيانا يشتمون بطريقة تمس الدين رغم تمسكهم بإحياء الطقوس الدينية، هل لك من تفسير ذلك؟ تمنى عليّ ان أوضح له سرّ هذا التناقض الذي يجتمع فيه "الإلحاد" مع "الإيمان".
شوف يا سيدي من البدء أقول لك بان العراقي مؤمن وليس ملحدا بطبعه. والمسألة ليس فيها الحاد ولا تناقض. إزاي يعني؟ العراقي، ومن أيام سومر ورحلة جده جلجامش، من أكثر الناس إيمانا بالغيب. انه يؤمن بان هناك قوة غيبية، أو سمّها الهية، تتحكم بحياته. اما مشكلته الكبرى فهي انه يراها تعمل ضده. تحطم أحلامه، تتربصه بالفيضانات والزلازل والكوارث، لذا ينسى نفسه في فورة الغضب او الإحباط فيشتمها اعترافا منه بقوتها وضعفه أمامها. والشتم من شيم الضعفاء كما تعلم. أجابني: لكنه يلطم ويبكي على الحسين بحرقة ومرارة كبيريتين، وهذا هو التناقض. لا يا صديقي ليس تناقضا بل يرى ان الحسين مظلوم مثله، أي ان قوة خفية ما قد ظلمته. قال لي: كلامك ذكرني بحوار دار مع جار لي في احدى ليالي عاشوراء. قال لي الجار: أتعلم يا أستاذ ان هناك جيشا كبيرا جاء من البصرة لنصرة الحسين لكن الحظ التعيس جعل الجيش يصل الى كربلاء بعد قتل الحسين بيوم واحد!؟ فعلا انه كان يلوم الحظ ومن يلوم الحظ يعني انه مؤمن بالغيب.
صفن صفنة مصرية ثم سألني: وانت يا هاشم كنت تكفر وتلطم كمان؟ غنيت له وقتها على نغم الدشت:
ولما شربناها ودبّ دبيبها
الى موضع الأسرار قلتُ لها قفي
العراقي ليس ملحداً يا صاحبي!
[post-views]
نشر في: 24 نوفمبر, 2013: 09:01 م