TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ورقة من يوميات الفتى الشيخ

ورقة من يوميات الفتى الشيخ

نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م

يدوّن الشيخ يومياته:
لم يكد يبلغ الثالثة عشرة حتى نزلت قطرة دم من ملاك عراقي قتيل على شهادته المدرسية
وهو يصيح لكي يسمعه العالم كله: ناجح، ناجح!
وفي الراديو كان صوت عبد السلام عارف يصرخ: انقلابنا العسكري ناجح، ناجح!
يشهد سجناء سياسيون لم تزل آثار التعذيب على وجوههم - سجن رقم ١ ، معسكر الرشيد.
ضابط برتبة نقيب يرتدي بيجاما  وينتعل خفاً من الإسفنج، بينما بانت رقبة فانيلته متسخة، يقوده عريف من ياقة البيجاما ليضعه في الطابور!
انتفاضة يقودها عريف في الجيش العراقي اسمه حسن سريع أوشكت أن تطيح الحكومة.. أعدم حسن سريع ولم يطح  بالحكومة.
 ثلاثة أحداث  جرت   عام   1967فتحت عينيه بدهشة غير مسبوقة: جيوش العرب، كلها، هُزمت أمام "دويلة لقيطة" اسمها إسرائيل.
سأل نفسه بحرقة: كيف يتأتى لـ "دويلة" و"لقيطة" أن تنتصر على جيوش العرب كلها؟
 الثاني: تظاهرة في شارع الرشيد يقودها عدد من رموز حكومة سقطت في 18 تشرين الثاني عندما كان في عامه  
الثالث عشر.. للمرة الأولى يعرف أن رموز الحكومة، وإن سقطت، يمكن أن يتظاهروا!
كان يعتقد أن العمال، وحدهم، يتظاهرون.
الثالث: الفتاة التي حسبها بعيدة كنجوم السماء أو نجمات السينما وافقت على دعوته للذهاب في نزهة.
عام 1968 وقعت بيده أول جريدة عراقية علنية غير حكومية تجادل الحكومة وتطرح أفكاراً حول الحرية والديمقراطية ووجوب إطلاق السجناء السياسيين الذين شهدت آثار التعذيب على وجوههم.. الجريدة اسمها: "التآخي".
كنت أعرف شيئاً ما عن الحرية (حسب رواية أعارنيها صديق أكبر مني سنا بكثير لا يجيد إلا ألعاب الكبار، بعنوان (الجدار) لجان بول سارتر) وشيئاً ما عن الديمقراطية على وفق كتاب (العقد الاجتماعي) لجان جاك روسو أعارنيه صديق، أكبر مني بكثير، هو الآخر، اعتقل الاثنان، في ما بعد، خلال أسبوع واحد لأعرف من صديق، أكبر مني سناً، أيضاً، إنهما في معتقل (قصر النهاية) لتترسخ في ذهني فكرة مفادها أن الكتب تورث العقاب.
عندما أنهى قراءة (الجدار) لم يكد يغلق الرواية حتى بدأ بـ (الغثيان) لسارتر أيضاً.
الحدث الجلل هو أن الفتاة التي وافقت على دعوته الغرامية إلى نزهة تركته بشكل (أكثر من حاسم) لأنه حاول تقبيلها.. ولو من
 خدك، همس محرجاً، لكن قرارها كان ( أكثر من حاسم) وهو تتمتم: أفلاطوني، أفلاطوني، حب أفلاطوني، أيها الغبي! ولأنه غبي، فعلاً، وضع الكتب التي تتحدث عن الديمقراطية والحرية، جانباً، وراح يبحث عن معنى الحب الأفلاطوني ليكتشف أنه
وضع الإصبع على الزناد من دون أن يطلق النار.. أي من دون أن يقبّل، ولو من الخد، بالترجمة العراقية لفلسفة الإغريق.
عام 1968 نشر له الشاعر يوسف الصائغ أول نص وكان على شكل رسالة ينتقد فيها ازدواجية المثقف العراقي، لتكون بداية الشعور بالمسؤولية: نشر مقال، حتى لو كان على شكل رسالة، يستتبع مقالات أكثر مسؤولية.
عام 1969 : مجلة شعر 69. رواية "الساعة الخامسة والعشرون" للروماني كونستانتان جورجيو حيث الشخصية (يوهان مورتز) ضحية النازية والستالينيىة، رغم الرؤية المسيحية للمؤلف كانت رواية رائعة تصور "مورتز" السجين الذي دخل مئة وخمسة سجون، وعندما يخرج من آخر سجونه يفاجئه مصور صحافي يسأله: "ابتسم للكاميرا.. "ابتسم للكاميرا" وهي آخر جملة في الرواية.
عام 1970: امرأة، لا فتاة، هذه المرة، تكبره بعشر سنين تمتلك حساسية فطرية لتذوق الأدب، فكتب لها قصيدة رومانسية لم يضعها في أي من دفاتره (أرشيفه) لأنه سينتقل إلى قصيدة أخرى مختلفة بعد تراكمات من الألم والعشق والقراءة، ليدخل من "الباب الضيق" باب أندريه جيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. حارث الجراح

    يا الهي ! عزيز محمد سكرتير الحزب يصافحني ويدعوني : رفيق !!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram