للوهلة الأولى لم تبدُ القاهرة لي في أواسط تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 مختلفة عما وجدتها عليه في أي وقت مضى، مع ان مياهاً كثيرة تدفقت في نهر النيل العظيم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومعها جرت أحداث مُجلجلة أطاحت رئيسين ومئات الرؤوس "الكبيرة"، بدأت بانتفاضة 25 يناير (كانون) الثاني 2011 ولم تنته بانتفاضة استعادة الانتفاضة في 30 يونيو (حزيران) – 3يوليو (تموز) الماضيين.
لا شيء بدا مختلفاً في القاهرة في الطريق من المطار الى الفندق .. مدينة عادية تشبه كل مثيلاتها من مدن الشرق، وتشبه نفسها خصوصاً في كل وقت وأوان.. شوارعها وميادينها مزدحمة كالعادة بالبشر وغاصّة بالسيارات في الليل كما في النهار.. مدينة هادئة مطمئنة كما لو ان الزلزال السياسي العظيم الذي ضربها قبل سنتين وعشرة اشهر وتواصلت ارتداداته حتى اليوم لم يحدث أبداً. لكن هذا الانطباع ما يلبث أن يتبدد بعد انتهاء الرحلة من المطار الى الفندق. ففي العمق تتبدى القاهرة على نحو مختلف تماماً، وتكشف لزائرها عن أسرارها الجديدة.
باستثناء واحد فقط، كان سائقو سيارات التاكسي التي تنقّلنا بها – زملائي في وفد النقابة الوطنية للصحفيين وانا – متحمسين للانتفاضة التي أطاحت الإخوان المسلمين ورئيسهم. وفي الأسواق والميادين والمقاهي تشعر ان موجة الحماسة هذه ممتدة الى كل زاوية من زوايا المجتمع المصري.
شخصياً كنت أعتقد ان الإخوان مازالوا يتمتعون بشعبية معتبرة في مصر، ففي زياراتي السابقة كنت أتلمس تأثيرهم على العامة من خلال دعايتهم واهتمامهم بشؤون الحياة اليومية للناس، بما في ذلك تقديم الطعام والخدمة الصحية والأدوية للفقراء مجاناً.
تسأل المتحمسين لنبذ الإخوان وإقصائهم خارج العملية السياسية عن سبب هذا الموقف فيأتيك الجواب في الحال:" هذول كانوا حياكلو البلد وياكلونا"، كما عبّر أحد سائقي التاكسي. تستوضح فتأتيك الوقائع:
- سعوا منذ الأيام الأولى للهيمنة الكاملة على السلطات السياسية والقضائية والمالية، ومنع أو إضعاف أي دور لغيرهم من القوى السياسية.
- استحوذوا على الوظائف العليا في الدولة، وعينوا أصحابهم في عشرات الآلاف من وظائف الدرجات الوسطى على حساب مستحقيها من الناس العاديين وعناصر القوى السياسية الأخرى، وبخاصة الشباب مفجري انتفاضة يناير 2011 التي لم يلتحق بها الإخوان إلا عندما انتصرت بإرغام الرئيس السابق مبارك على التنحي.
- عملوا على هزّ كيان المجتمع المصري واستفزازه بالسعي الحثيث لأسلمته ظاهرياً، كفرض الحجاب، وتكريس مظاهر التطرف الديني.
- فرضوا هيمنتهم على الحياة الاقتصادية عبر السيطرة على الشركات والمرافق الإنتاجية والمالية وتسخيرها لمصالحهم الشخصية والحزبية.
أحد سائقي التاكسي رأى ان إزاحة الإخوان عن السلطة في مصر كانت بمثابة إنقاذ للمصريين من "كابوس رهيب" لم يتصوروا انهم سيتخلصون منه بهذه السرعة.
(غداً .. بقية)
مصر الجديدة.. (1)
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أحمد عبدالوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم الاستاذ عدنان المحترم....لايوجد شك ان الاخوان قد أخطأوا ولكن هل الحل ان يتدخل العسكر ليطيحوا بهم؟ لقد اذاق العسكر الويلات لشعب مصر وباقي الشعوب العربية...الاستاذ الكريم لاينبغي ان نصحح الخطأ بأرتكاب خطأ اكبر منه مع تحياتي.