لم ينتظر أمين عام الأمم المتحدة طويلاً، بعد إنجاز الاتفاق الإيراني الغربي، ليعلن موعد عقد جنيف الثاني الخاص بالمسألة السورية، ما يشي بترابط الملفين، رغم محاولة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الإيحاء بعكس ذلك، مع علمها وثقتنا بعدم إمكانية فصل المسارات في ملفات الشرق الأوسط، حيث تترابط القضايا الاستراتيجية، وإن اختلفت موضوعاتها، فإيران لاعب رئيس في المسألة السورية، ولولا تدخلها المباشر وعبر حزب الله، لكانت الأحداث في بلاد الشام اتخذت منحىً آخر مختلف تماماً، وإسرائيل لاعب رئيس، لايرغب الغرب بتجاهله في الملفين السوري والإيراني، وكان ذلك واضحاً في انتداب فرنسا لطمأنة تل أبيب، العاملة على استغلال الموقف وابتزاز الاطراف كافة.
ليس هناك مجال للشك في ترابط الملفين، إذ ليس مُمكناً لجنيف السوري النجاح بدون حضور إيران، ولم يكن حضورها ممكناً قبل إنجاز اتفاق "ولو مرحلي"، يتعلق بملفها النووي، تماماً كما لم يكن مُمكنا لبان كيمون تحديد موعد جنيف السوري قبل حسم مسألة سلاح سوريا الكيماوي، وإطلاق يد نظامها، ومنحه موافقة ضمنية باستعمال أي سلاح آخر، لدحر "الإرهابيين"، الذين يتخذون موقفاً مناهضاً لأي نفوذ تفرضه "الأقلية الشيعية" التي تقود طهران خطاها وتفرض عليها خططها، على الأكثرية من أهل السنة، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة حزب الله في معركة القلمون الحاسمة، وما يعنيه ذلك من انتقال تداعيات الأزمة السورية إلى لبنان، وما سينجم عن ذلك من انفجار ساحته، أو ابتداع معادلة سياسية جديدة، تضمن له شيئاً من الهدوء والاستقرار.
لايعني نجاح جنيف الإيراني المبني على طريقة "لاغالب ولا مغلوب"، أو كما ترى موسكو "الكل رابحون وليس هناك خاسر"، أن نظيره السوري سيلاقي نفس النتائج، ذلك أن هناك دولاً وازنة في الإقليم، ترفض إعادة تاهيل النظام الإيراني، ودمجه في المجتمع الدولي، بعد أن كاد ينهار بفعل العقوبات الاقتصادية المؤثرة، فالدول الخليجية تكاد تنفجر غيظاً من اتفاقيتي الكيماوي السوري والنووي الإيراني، وهي ترفض الوقوف مكتوفة اليدين، وتحركها على الساحة السورية واللبنانية بالتبعية مكشوف ومعلن، كما أن للسعودية التي تتزعم هذه المنظومة تأثيرها في العراق، عبر بعض سياسييه الرافضين لأي تأكيد للنفوذ الإيراني المذهبي في بلاد الرافدين، التي ستشهد سخونة مدمرة عشية الانتخابات النيابية المقبلة، أوائل العام القادم.
قضايا المنطقة مترابطة حتماً، مصر تؤكد أن أمن الخليج من أمنها، رغم اختلاف الموقفين من الأزمة السورية حيث تؤيد القاهرة دحر جماعة الإخوان المسلمين، وأنقره تعيد حساباتها متخلية عن مذهبيتها فتغازل بغداد وطهران، وتأثير الاتفاق الإيراني مع الدول الغربية سيكون واضحاً في العراق ولبنان وسوريا، سواء التزمت طهران بشروط عودتها إلى أداء دور بناء في المجتمع الدولي، أو واصلت نفس سياساتها الإقليمية إن كان عقدت صفقات عقدت تحت الطاولة حول دورها الإقليمي، الذي سيتوضح أكثر في سوريا، حيث اصطبغت ازمتها باللون الطائفي الفاقع، من خلال سعي الغالبية السنية فيها، إلى ما تراه استردادا لما تعتقد بأنه صودر منها منذ أربعين عاماً.
الصفقة الإيرانية تقود السوريين إلى جنيف
[post-views]
نشر في: 26 نوفمبر, 2013: 09:01 م