TOP

جريدة المدى > سينما > "حياة الجريمة" لدانييل شيكتر.. أداء متناغم لشخصيات متنافرة

"حياة الجريمة" لدانييل شيكتر.. أداء متناغم لشخصيات متنافرة

نشر في: 27 نوفمبر, 2013: 09:01 م

انطلقت فعاليات الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي بفيلم "حياة الجريمة" للمخرج الأميركي دانييل شيكتز، صاحب فيلمي "شخصيات مساعدة" و "وداعاَ صغيرتي". يتمحور فيلم الافتتاح على حياة الجريمة في المجتمع الأميركي من جهة، وعلى الخيانات الزوجية من

انطلقت فعاليات الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي بفيلم "حياة الجريمة" للمخرج الأميركي دانييل شيكتز، صاحب فيلمي "شخصيات مساعدة" و "وداعاَ صغيرتي". يتمحور فيلم الافتتاح على حياة الجريمة في المجتمع الأميركي من جهة، وعلى الخيانات الزوجية من جهة أخرى. كما تتناول التفاصيل ثيمات فرعية كثيرة ،من بينها الفساد، والعنف الذي تشهده الحياة الأميركية المعاصرة، والأمراض النفسية التي تضرب أطنابها في صفوف الناس العاديين.
يعود بنا فيلم "حياة الجريمة" إلى أواخر سبعينات القرن الماضي حيث يتخذ المخرج من مدينة ديترويت مكاناً لأحداث فيلمه الذي يهيمن عليه العنف والدهس والقتل، كما تُسمع لعلعة الرصاص هنا وهناك بين أوانٍ وآخر. تتمحور قصة الفيلم على لصّين، وهما أورديل ولويس، يقومان بعد خروجهما من السجن مباشرة بخطف ميكي، زوجة فرانك، تاجر عقارات فاسد، ويرغمانه على دفع فدية قدرها مليون دولار أميركي. وما بين تنفيذ عملية الاختطاف وإخلاء سبيل الضحية المُختطَفة ميكي يمتد مسار الأحداث التي تبلغ ذروتها حينما تشعر السيدة ميكي "جسدت الدور بإتقان عال الفنانة جينيفر أنستون" بأنّ حياتها مهددة بالخطر وأنها قد تُقتل على يد هذين اللصّين، لكنها تكتشف غرابة أطوارهما. فأورديل "نفّذ الدور بحرفية الممثل ياسين بي، المُلقّب بـ "موس ديف" وهو شخص رزين، ذرب اللسان، متخصص في فهم الدوافع النفسية لضحاياه. من هنا فإن الفيلم في جانب منه هو فيلم نفسي أيضاً لأنه يسلّط الضوء على "متلازمة ستوكهولم" التي تفسّر تعاطف المخطوف مع مُختَطِفه" خصوصاً إذا كان هذا الأخير يبوح ببعض الأسرار التي تكشف عن حياة الضحية ولم تنتبه إليها جيداً من قبل. فميكي كانت مغفّلة إلى حدٍ ما على الرغم من أن علاقتها الزوجية مع فرانك "تيم روبنز" لم تكن جيدة أصلاً، لكنها لم تتوقع منه أن يخونها في وضح النهار من ميلاني. يكشف الفيلم في جانب منه تدهور العلاقات الأسرية في المجتمع الأميركي ووقوع الأطفال ضحية لهذا التفكك الذي يجتاح العائلة الأميركية. فالصبي "بو" كان مشتتاً بين الأب والأم ولا يعرف إلى أين يتجه، ولكنه مع ذلك يبني شخصيته ويمضي في حياته التي لا تخلو من إشكالات قد تبدو صعبة على   فتىً لم يشب عن الطوق بعد.
لا يخلو الفيلم من لمسات كوميدية فكهة حتى في أحلك الظروف ، فتارة يحضر هنري كيسنجر ببعض مقولاته ذائعة الصيت، وتارة تستعمل ميكي عبارات مجازية شديدة الدلالة والتعبير. إذاً، لم تكن ميكي امرأة سطحية تماماً، وأنها لا تريد أن تتخلى عن زوجها بهذه السرعة، فثمة خيط واهٍ لم نكن نراه أو نتلمّسه يشي بأنّ حياة زوجها الذي وعدها بتنفيذ الطلاق مازالت مهمة عندها، وأنها تسأله إن كان يروم الزواج من ميلاني التي نكتشف أيضاً أنها لم تكن لعوباً كما تشي بها طلّتها أول الأمر، فلقد رأيناها عارية جوار حوض السباحة، وفي بعض المشاهد الحميمية الدافئة مع فرانك. فهذه المرأة كان لديها طموح شخصي واضح، وهي لم تكن تبدد وقتها سدى، وإنما تحسب لكل شيء حسابه.
تعرّضت ميكي إلى عنف شديد من قبل طرف ثالث يتردد على اللصّين حيث يقوم بالتلصص على ميكي حينما تدخل الحمّام ويحاول اغتصابها ذات مرة لكنها تنتقم لكرامتها المجروحة حيث تطفئ عقب سيجارتها في جفنه السفلي. ثم نكتشف شيئاً فشيئاً أن هذا الرجل الشاذ "لعب الدور الممثل مارك بون جيونيور" هو وحش حقيقي مولع بالعنف ولا يجد أي حرج في استعمال مسدسه الشخصي حتى ضد صديقيه اللصّين اللذين أوكلا إليه مراقبة المُختَطَفة ميكي لكنه يتجاوز اشتراطات المراقبة محاولاً إشباع رغباته الجنسية التي كانت تتأجج بسبب مفاتن ميكي الجسدية. تحاول ميكي في خاتمة المطاف أن تفهم السبب الذي دفع زوجها فرانك لعدم الرضوخ لابتزاز اللصين المجرمين علماً بأنه يدرك جيداً أنهما قد يقتلانها إذا لم يحوّل المبلغ إلى حسابهما الشخصي، وهذا يعني من بين ما يعنيه، أنه يريد لها أن تواجه مصيرها المحتوم على أيدي القتلة. فلا غرابة إذاً حينما نكتشف في خاتمة المطاف أن ميكي لا تريد أن تعود إلى البيت بعد أن قرّر أحد الخاطفين إعادتها إلى المنزل. خلاصة القول : لقد تألق المخرج الأميركي دانييل شيكتر في فيلم "حياة الجريمة" وقد برهن لنا عن براعته السينمائية في إدارة شخصيات متنافرة الأهواء والطبائع والغايات، لكنه استطاع عبر رؤيته الإخراجية الفذة أن يجعل من الفيلم قطعة بصرية متناغمة الإيقاع، ومتناسقة الألوان في آنٍ معا. كما يجب الإشارة إلى الأداء المُتقن لجميع الشخصيات التي جسّدت أدوارها كما لو أنها قد عاشتها على أرض الواقع، الأمر الذي حفّز الجمهور على الاندماج مع أحداث الفيلم والاستمتاع بمختلف جوانبه الفنية والفكرية والجمالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

فيلم (الوحشي) للمخرج برادي كوربيت والبحث عن الحلم الأمريكي

"اللودج" يختارمشاريع ضمن النُسخة السادسة من برنامجه

مقالات ذات صلة

لـ
سينما

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

متابعة المدى عاش طاقم فيلم "Anora" ليلة لا تنسى، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 97، الأحد، حيث فاز الفيلم بـ 5 جوائز، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل ممثلة للنجمة مايكي ماديسون. وحصد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram