TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم البالون الأحمر..ليس للصغار فقط

فيلم البالون الأحمر..ليس للصغار فقط

نشر في: 27 نوفمبر, 2013: 09:01 م

من كوة فتحها زمن الكبار على عالم الطفولة أُدلدل بصري نحو فيلم البالون الأحمر(1956) حين يأخذ بيدي مثل الصبي باسكال لمتابعة سرد البراءة في فيلم 16ملم ،بعدما شكلت هذه النوعية من الشرائط السينمائية وسائل تعليمية لثوابت أخلاقية وثقافة عامة تأسيسية لأجيال

من كوة فتحها زمن الكبار على عالم الطفولة أُدلدل بصري نحو فيلم البالون الأحمر(1956) حين يأخذ بيدي مثل الصبي باسكال لمتابعة سرد البراءة في فيلم 16ملم ،بعدما شكلت هذه النوعية من الشرائط السينمائية وسائل تعليمية لثوابت أخلاقية وثقافة عامة تأسيسية لأجيال عديدة .فمن خلال أنموذج كلاسيكي لما يمكن تقديمه في إطار زمني محدود(34 دقيقة)،قدم المخرج الفرنسي (ألبرت لاموريس) فيلمه كتحفة سينمائية للأفلام القصيرة.
مستعينا بذاته لكتابة القصة أيضا ليبلغ مستوى من الجودة أجبر محكمي جوائز الأكاديمية الأمريكية لعلوم السينما على منحه أوسكار افضل نص اصلي للعام 1956 متفوقا على فيلم (لاسترادا) لفيديريكو فيلليني وهي المرة الأولى وربما الوحيدة التي مُنح فيها فيلم قصير هذه الجائزة ،خصوصا وأنه قليل الحوار لحد النُدره تاركا الدور لموسيقى المؤلف (موريس ليرو) ولصوت صراخ الأطفال في بعض المشاهد –طالما ان السرد الصوري في الفيلم يعمل على استدعاء ذهن المتلقي من خلال العديد من المعاني المضمرة التي يخفيها شكله الظاهري البسيط- ،إضافة إلى ان مهرجان كان السينمائي منحه سعفته المخصصة للأفلام القصيرة .بروح العائلة الحقيقية قدم لاموريس شريطه مستعينا بأبنيه (باسكال وسابين) مما شكل دفقا من الحميمية ساعد في استخراج أداء تمثيلي جيد خصوصا لباسكال صاحب الشخصية الرئيسية ،الذي يخرج كالعادة صباحا متجها نحو المدرسة فيجذبه بالون احمر معلق على عمود إنارة يتسلقه ليجلب البالون الذي يمتلك نوعا من الوعي يجعله يصاحب الصبي ويتبعه أينما يذهب حيث يتشكل رابط صداقة غير متوقعة لكنها مميزة خاصة بتفاصيلها بعد ان تعلق كلاهما بالآخر فيترتب على ذلك مغامرات عديدة يخوضانها مابين معاناة وسرور ،حتى تبلغ ذروتها في نهاية مأساوية للبالون ومذهلة لباسكال حين تتجمع بالونات باريسية مختلفة الألوان لتحلق بالصبي مرتقية نحو عنان السماء الزرقاء .الحب والأمل ،الحزن والفرح ،القهر والإرادة ،الصداقة والعداوة ،معانٍ ومتضادات أخلاقية وسلوكية قدمتها الحكاية الرمزية للبالون الأحمر بالارتكاز على عالم الخيال اللامتناهي لعالم الطفولة شكلت مثابات القصة ،مع إشارات فكرية فلسفية بمسحة دينية حول الارتقاء بالروح من الضغائن والأحقاد إلى مصاف المحبة والنقاء ،لكن الملفت ان الكبار الذين حول باسكال لايدركون طبيعة العلاقة مع البالون رغم نظرات الفضول التي تبثها عيونهم ،ربما لان صفاء أرواحهم أضناه تعب ومشاكل السنين حتى عاد لايملك جذوة الخيال التي تكشف الآفاق السحرية المختبئة خلف جدار البصر .قدم الفيلم من خلال أسلوب المخرج لاموريس مثال جيد للشكل العام الذي روجت له الموجة الفرنسية الجديدة في السينما ذلك الوقت من حيث الحركة والإيقاع والتكوين البصري مع تقليل الحوار في السرد السينمائي ،كما ان التدريج بين الرمادي والأزرق كخلفية للأحمر شيء مثير وفاتن مقارنة بالتقنيات المعاصرة إضافة إلى ان زوايا التصوير قدمت كأدوات أشبه بلوحات تشكيلية مما أعطى لصورة الفيلم حضورا متجددا رغم تقادم السنين ،خصوصا وان لاموريس عمل كمصور قبل ان يتحول للإخراج ليذيع صيته كصانع أفلام قصيرة مميز –بالأخص فيلمي ماني الأبيض(1953) والبالون الأحمر(1956)- ،حيث اكتسبت شهرة عالمية من خلال لمساته الإخراجية المتوسمة بخيال جمالي منبعث من شاعرية رمزية لفتت عيون المشاهد باللقطات السينمائية الغنية بعناصر الفن التشكيلي ،وكانت مفارقة حزينة ان تقوده رياح السينما -التي حملته مع باسكال وبالونه الأحمر لناصية الشهرة والجوائز- نحو حتفه أثناء تصويره لفيلمه الوثائقي (رياح الحب) في ايران عام 1970 بعد ان هوى من طائرة مروحية فوق طهران .مثل البالون الأحمر فرصة نادرة لمشاهدة احد أحياء باريس التي طواها النسيان لتختفي من الوجود في سياق التطور العمراني الذي أزال حي المينيل مونتان بعد بضع سنوات في بداية عقد الستينات فحلت حديقة عامة وعمارات وشوارع حديثة مكان الأزقة والبنايات المنهكة التي تظهر في الفيلم حيث غبار الحرب الكونية مازال يلقي بظلاله عليها .وكان من اللافت عدم ظهور أيقونة باريس برج إيفل ،حينما أصر المخرج على ان يجول بنا في شوارع شبه معتمة تعيش آخر أيامها كأنه استشرف نهايتها القريبة فسعى للتوثيق مانحا الأجيال القادمة فرصة مشاهدة المدينة المثيرة تنفض عن ثوبها بقايا وحول الجزمات النازية ،وقد تكون روح باريس هي من حملتها بهرجة البالونات الملونة كأنها قوس قزح يحتضن السماء بعد أمطار موحشة .وهكذا فحين يمتلك فيلم خيالا نقيا يستمد نسغه من الطفولة البريئة ليعبر بمعانيه نحو عالم الكبار فليس له سوى ناصية المجد والإبداع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

فيلم (الوحشي) للمخرج برادي كوربيت والبحث عن الحلم الأمريكي

"اللودج" يختارمشاريع ضمن النُسخة السادسة من برنامجه

مقالات ذات صلة

لـ
سينما

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

متابعة المدى عاش طاقم فيلم "Anora" ليلة لا تنسى، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 97، الأحد، حيث فاز الفيلم بـ 5 جوائز، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل ممثلة للنجمة مايكي ماديسون. وحصد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram