رغم أن الطريق إلى جنيف2 مازال طويلاً، وفيه من المنعطفات المتوقعة الكثير، ورغم أنه سينعقد دون أن تتوقف المعارك على الأرض، فان الجميع يتبارى اليوم لإعلان أكثر المواقف تشدداً، على أمل أن يبدو التنازل عنها، أو عن بعضها لاحقاً، انتصاراً للطرف الآخر، ائتلاف المعارضة "وهو كما ينبغي القول" لا يملك قراره، يرفض مشاركة إيران باعتبارها "دولة محتلة"، مثلما يرفض أي دور للأسد أو أي من مساعديه في مستقبل سوريا، ويرى أن الموضوع الأساس للمؤتمر، هو الوصول إلى اتفاق حول تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بما فيها الصلاحيات التنفيذية على الجيش والشرطة والأمن وأجهزة الاستخبارات، ويعلن منذ اليوم نيته توجيه طلب رسمي إلى الجامعة العربية لشغل المقعد السوري فيها.
إيران تتلهف على الحضور دون أي شروط مسبقة إذا دعيت، وتعتقد أن مشاركتها في جنيف إسهام مهم في حل المشكلة، والجيش الحر يرفض المشاركة لأن "الظروف والأجواء ليست مهيأة حتى الآن لعقد المؤتمر في التوقيت الذي تم تحديده، والإسراع في إعلان تاريخ عقده من دون أخذ الأسباب المؤدية لنجاحه، ستؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة على جميع المستويات"، والجبهة الإسلامية، التي تشكلت مؤخرا من أكثر من فصيل مقاتل تشترط إسقاط النظام، وتفكيك وإنهاء سلطاته الشرعية والتنفيذية والقضائية، مع جيشه ومؤسساته الأمنية، ومحاكمة من تورط منهم ومن أنصارهم في سفك الدماء، وصولاً إلى إقامة دولة تكون فيها السيادة لشرع الله، مع رفض أي مشروع تقسيمي أو كيان دخيل.
موسكو وهي المستفيد الأكبر من عقد المؤتمر، تقترح حلاً يقوم على غياب الأسد عن المؤتمر، على أن يمثل النظام وزير خارجيته، وهي تسعى لتمرير حل سياسي يحفظ بقاء النظام، وإن تغيرت بعض الوجوه فيه، ما يحقق لها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، ولندن تؤكد أن عملية الانتقال السياسي في سوريا عبر التفاوض، هي السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وتخفيف الأزمة الإنسانية، مع مطالبتها برحيل الأسد وانبثاق قيادة جديدة، وواشنطن التي تصف المؤتمر بأنه الفرصة الأفضل لتشكيل حكومة انتقالية تنهي الصراع المحتدم الآن، ترى أنه لابد أن يفضي إلى رحيل الأسد عن السلطة، وباريس تؤكد ضرورة غيابه عن المؤتمر وعن مستقبل سوريا، وهو المطلب الأساس لقوى المعارضة الرئيسية.
في خضم كل ذلك، ماذا عن موقف دمشق التي تحاول فرض شروطها حول هوية وطبيعة الحاضرين من معارضيها؟ يجيب على هذا نائب وزير الخارجية فيصل مقداد، مؤكداً الثقة بمستقبل رئيسه، مع عدم توقع قيام المجتمع الدولي بفرض ضغوط لتنحيته خلال المؤتمر، اعتماداً على أن الشعوب في أوروبا وأميركا تدرك اليوم أنه يواجه الإرهاب نيابة عن العالم أجمع، ويضيف بأنه حين كانت دمشق تترقب ضربة عسكرية أميركية، رداً على استخدام الأسلحة الكيمياوية في الصراع، أتت مبادرة روسيا لتدمير تلك الأسلحة، وهي لم تستهدف إنقاذ البلاد من الضربة العسكرية الأميركية، بقدر ما استهدفت حماية الحكومة السورية ومركزها على الساحة الدولية.
ستمر الكثير من المياه تحت الجسور، قبل أن ينعقد المؤتمر على وقع أصوات المدافع، وستتغير الكثير من المعادلات، وسيتراجع طرفا الصراع عن مواقفهما المتشددة التي يصعدانها اليوم، لأن القرار لم يعد بأيديهم، وإعلان انتصار طرف منهما لن يكون مقصوراً عليه، بقدر ما يعني انتصار الأطراف الداعمة لموقفه.. هل يدرك السوريون ذلك؟.
جنيف التصعيد بهدف التنازل
[post-views]
نشر في: 27 نوفمبر, 2013: 09:01 م