TOP

جريدة المدى > غير مصنف > الجنود الصالحون

الجنود الصالحون

نشر في: 20 أكتوبر, 2009: 06:44 م

الحرب في العراق، وكما يظهر في كتاب ديفيد فينكل فهو ليس المناورة المضللّة لإدارة بوش المتسمة بعدم الاكتمال والحماسة الايديولوجية المتوهجة، بل هو إخفاق تام. والجنود الصالحون، الكتاب الذي صدر اخيرا لا يعتبر رد فعل سريعاً للحرب
بل يتحدث بعمق عنه: الحرب كما مورست كتجربة على الارض يوما بعد يوم، دقيقة بعد دقيقة من قبل افراد كتيبة عسكرية ارسلت الى بغداد في خلال ما عرف بتطبيق الخطة الامنية عام 2007. ويصف فينكل، رئيس المحررين في صحيفة الواشنطن بوست الحائز على جائزة بوليتزر وباحساس كاتب روائي، عن الحرب وبداية الخراب الذي حصل لمجموعة من الجنود الذين شاءت أقدارهم ان يجدوا انفسهم متمركزين في بقعة ساخنة على حافة بغداد. كان ذلك المنسي يدعى FOB، الرستمية، "قاعدة عسكرية متقدمة"، حيث النتانة والقذارة وروائح الفضلات التي لا وجود لتصريف صحي لها، ان هبت الريح من الغرب، وعندما كانت تهب من الشرق تجلب رائحة النفايات المحترقة، حيث منطقة قريبة أطلق على شوارعها اسماء مثل: طريق بلوتو، شارع الفتاة الميتة، والطريق المفترس. وكان الاخير يحتوي باستمرار على عبوات ناسفة. ومثل كتاب مايكل هير، "رسائل إخبارية"، وكتاب تيم اوبراين، "اشياء حملوها"، فان "الجنود الصالحون"، يقبض على الرعب السيريالي للحرب. تجربة الدم والعنف ولحظات المناسبات الانسانية التي يمر بها الجنود، لتبدأ بعد ذلك صور الحرب المفزعة في التسلل بأذهانهم الواحدة بعد الاخرى، حتى بعد خروجهم من ميدان القتال. ويتحدث الكتاب عن اولئك الشبان الذين يبلغ معدل اعمارهم الـ 19 سنة، ويحملون ما زنته 60 باوناً من الاسلحة ويرتدون الدروع في غزواتهم لأطراف المدن، يفتشون فيها البيوت والمباني، دون ان يعلموا من هو المواطن البريء ومن المتمرد الذي يبغي القتل. ويصف المؤلف الدوريات اليومية في شوارع بغداد حيث القنّاصون والقنابل والعبوات الناسفة المرتجلة الصنع – حالة مجازفة متواصلة ومصدر دائم للخطر، حيث الله او الحظ، عندما تقرر ثانية واحدة فقط، فيما اذا كان المرء سيموت او يصاب بجرح او يخرج سالما. باتباع وسائل وتقنيات الصحافة الحديثة، كتب توم وولف، قبل عقود، وصفا لمشاهد الحرب، بأسلوب روائي تفصيلي وعبر اجراء مقابلات مباشرة مع الجنود لالتقاط افكارهم وذكرياتهم. وقام ديفيد فينكل ايضا بمهمة حيوية في نقل اولئك الجنود في العراق، من خلال دوريات البحث والملاحقة: ما هي احاسيسهم عندما يقتلون شخصا يشتبه فيه، ما هو رد فعلهم عندما يموت رفيق لهم او يحرق امامهم حيا؟! ويتضمن الكتاب ايضا، تقارير مؤلمة عن جنود في عربات الهمفي التي جرى تفجيرها، ولقاءات مع عراقيين ابدوا استعدادا للتعاون معهم وعقد أواصر الصداقة، لكنهم كانوا خائفين من الانتقام، وتقارير اخرى مفزعة، تسرد كضربة بعد ضربة لحوادث قتل صحفيين من وكالة رويترزعام 2007، من قبل طائرة امريكية فتحت نيرانها عليهما ظنا انهما من المتمردين. والمحور الرئيسي في كتاب فينكل هو قائد الكتيبة الكولونيل رالف كوز لاريج، المتفائل الذي اعتقد ان رجاله من صنف مختلف لكسب الحرب. كان شابا نحيفا، شديد التمسك بالنظام والاكثر اندفاعا، وكان ايضا الاسرع هرولة معتبرا الحياة عملا يوميا إراديا. كان كوز لاريج جنديا يؤمن بمهمته بعد حوادث وفيّات تراجيدية، وحتى بعد ان بدأ رجاله يطلقون عليه اسم، "كوزو المفقود" او "الرئيس بوش". وبكلمات المؤلف، ان ذلك يعني، "مقدرته على رؤية ما لايقدرون، ويرى ما لايرون". ويصف فينكل بقية اعضاء الكتيبة بالحيوية والنشاط، ومنهم جي مارج، الذي تطوع بعد تأثره من مجند سابق، التقى به وكان قد شهد القبض على صدام (والذي قتل نفسه بعد ذلك إثر اشتداد الضغط النفسي للحرب عليه). وهناك ايضا دنكان كروكستون، 19 سنة، الذي فقد في الحرب ساقيه، ذراعه اليمنى ثم اليسرى، اذنيه، انفه وجفنيه، والذي اجريت له عمليات جراحية شتى، لكنه يموت ووالدته إثر تلوث. وهناك آدم شومان، "اعتبر افضل الجنود في الكتيبة، والذي حمل زميلا جريحا عدة طبقات من السلم، لكنه لم يستطع نسيان ذلك الرعب. وبعد ثلاث رحلات الى العراق، يكتب فينكل، ان شومان لم يعد يحتمل الحرب ويفكر في الانتحار، ويعطى المهدئات للعلاج، ثم نقل اخيرا بطائرة حربية مخصصة للجرحى والقتلى. ان كتاب فينكل لا يعتبر منجزا عن الجنود في تلك الكتيبة الذين قتلوا في الحرب، بل ايضا بالنسبة للوسائل التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تلتوي نحوها مجريات الحرب (او تنجر اليها في بعض الحالات). انه يتحدث بدقة عن احاسيس الرفقة التي تنمو فيما بينهم وعلى الصعوبة التي يجدها الجنود في محاولاتهم للتكيف على الحياة اليومية، بعد عودتهم الى بيوتهم. وكلما اتسعت الفجوة بالنسبة اليهم ما بين تلك الحرب التي يناقشها السياسيون والجنرالات والحرب التي خاضوها، ازدادت حياتهم صعوبة. ويقول المؤلف، ان اخبار الحرب تبدو في الولايات المتحدة الامريكية مضخمة وليست مصغرة، والجنود الذين تحدث اليهم ابدوا دهشتهم ازاء طريقة المناقشات التي تدور بين السياسيين من الجمهوريين ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

اعتقال صاحب منزل اعتدى على موظف تعداد سكاني في الديوانية

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

غير مصنف

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

بغداد/ المدىيعرض معرض "إعادة العرض" الفني، الذي يجمع أعمال فنانين عراقيين من داخل الوطن وخارجه، لوحات حية من تاريخ العراق المعاصر.ويسلط المعرض الضوء، من خلال لغة السينما، على التحديات التي واجهها الشعب العراقي على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram