ذكرت في افتتاحية الأمس، ان تركيزي على قضية شاعرنا الكبير مظفر النواب والقامتين الإبداعيتين، محمد سعيد الصكار وفؤاد سالم، له علاقة باوضاعهم الصحية، والكيفية القصدية التي جرت فيها متابعة وضع النواب، وتوقيتها سياسياً، لتترافق مع الحملة الدعائية للانتخاب
ذكرت في افتتاحية الأمس، ان تركيزي على قضية شاعرنا الكبير مظفر النواب والقامتين الإبداعيتين، محمد سعيد الصكار وفؤاد سالم، له علاقة باوضاعهم الصحية، والكيفية القصدية التي جرت فيها متابعة وضع النواب، وتوقيتها سياسياً، لتترافق مع الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية. ولم اكن في وارد تجاهل عشرات، بل ومئات القامات الثقافية الابداعية، التي تعرضت للإهمال وغمط الحقوق، بل وجرى خلق البيئة المعرقلة لعودة من شردهم النظام في المنافي والمهاجر القسرية، سواء بتنظيم الحملات الإيمانية (او الأصح التكفيرية) التي تحّرم النشاطات الثقافية والفنية، وتتعامل معها كـ"عورات" تستحق الملاحقة والمصادرة وإدراجها في باب التحريم والنجاسة.
ولا يمكن نسيان "الزركات" العسكرية والأمنية التي طالت النوادي الاجتماعية التابعة لمنظمات ثقافية كاتحاد الأدباء، وغيرها من الفعاليات التي أدرجت كلها في اطار "الخمّارات وتعاطي الخمور".
ولم تكن هذه البيئة "الطاردة" للعملية الإبداعية، وللمبدعين، لتكتمل دون تسفيه الحياة الثقافية، بوضع "امعات" مشهود لها بالتجرد من أية علاقة بالثقافة والإبداع على رأس العديد من المؤسسات الثقافية التابعة للدولة، وهي ممارسة لجأت الى استخدامها الأنظمة الاستبدادية، لإفراغ الدولة من الكفاءات الخلاقة، وإظهار الفنون بكل حقولها، كمظهر للسفاهة والعبث، وضياع الجهد والوقت فيما لا ينفع البلاد والأمة، وما يهدر الطاقات التي يُفترض ان تكرس لجوقة "ما ننطيها" و"بالروح بالدم نفديك ياهو الجان..".
قلت بالصراحة المعهودة، ان التحديد ليس تجاهلاً لقاماتٍ تحتل مكاناً أثيراً في افئدتنا، ولن تغادر ذاكرة الاجيال القادمة تحت اي ظرف، وربما يجري نسيان مبدعٍ او لا يوضع في المقام الذي يستحقه، لا بسبب الإهمال او عدم الاعتراف بالفضل، وانما لضرورات التعامل مع الأولويات الخاصة بالطوارئ والمرض ونكد الحياة وما تفرضه من قهر لا يرحم.
وليس صحيحاً، كما يريد البعض من ذوي النوايا الطيبة ان يتوهم او يُوهم، بان التركيز يجري دائماً على المثقفين الشيوعيين واليساريين ومن يحوم حولهم. ولكن الصحيح ان الطبقة الحاكمة هي التي تجعل الأضواء تتركز على هؤلاء، وليس غيرهم.
فمن هم هذا الغير من المثقفين؟ فاذا تجاهلنا اتباع الحزب الحاكم والأحزاب الحكومية، وهم بخير "والحمد والشكر لله"، يظل من يبحث عن الستر والعافية، من صداميي الأمس، وخدم الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وهؤلاء هم العملة الطاردة، التي باتت تسد منافذ الهواء الطلق، وتُفسد مناخات الابداع والخلق، وهي تحتل مناصب حكومية بارزة ومقاعد برلمانية نافذة، وقيادات نقابية مزيفة، ورئاسات مؤسسات إعلامية وثقافية وصحف وهيئات مهنية وأخرى يفترض ان تكون مستقلة.
والأضواء المتلألئة على قامات المثقفين "الشيوعيين واليساريين" واللامنتمين للتيارات المتأسلمة، ليست بنت الصدفة، او بفضل احد متطفل على الحياة الثقافية، بل هي انعكاس لدور تنويري تاريخي اضطلع به مثقفون عرفوا على مر العقود السوداء التي مرت على البلاد، بنكران الذات، والتضحيات غير المحدودة، والتمسك بالقيم الوطنية، والإسهام الخلاق في إشاعة مبادئ الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية. وهم على ماهم عليه من الوفاء لخياراتهم وأدواتهم الإبداعية، لم يعرف بينهم من هو لصٌ او متعدٍ على حقوق الناس، او نهازٍ للفرص على حساب القيم، وكل واحد منهم، مثلٌ يُضرب بنظافة اليد والضمير.
ومن حق الشيوعيين واليساريين والوطنيين الديمقراطيين ان يفخروا ويتفاخروا، بانتساب او تنسيب الطبقة المبدعة الى رعيلهم، مع ان كثرة منهم لا ينتمون الى تنظيم اوعصبة سياسية. واذا كان الحاكم يرى في هذا الانتماء بلا تنظيم، لرهط المثقفين الى التيار اليساري والديمقراطي، تهمة او عيباً، فيا له من عيبٍ مشرفٍ، يستحق المباهاة والاحتفاء. ولن ينال من حظوتهم لدى الشعب وفي ذاكرة الأجيال، تمادي السلطات المتعاقبة في التجاوز على حقوقهم والتعمد في إهمالهم، والتوهم بامكانية عزلهم، واضعاف تأثيرهم على مجرى الاحداث ومساراتها في دولتهم التي جُعل منها لادولة.
ولان من المحال، على وطني غيور ان لا ينحاز الى الأمثولة، بغض النظر عن الانتماء والعقيدة، فلا بأس ان نستذكر، من هو المحتفي بكل القامات الثقافية في الوطن في ظل حكم الطغمة المتسيّدة بلا جدارة ولا شرعية اخلاقية، بعد ان اصبحت بسلوكها ونهجها وسياساتها، الوجه الآخر للنهب والفساد والتعدي على الحريات وتشويه صورة الوطن في كل مكان. أهي السلطة التي لا تقرّب غير من لا هوية له يضيء بها معالم الطريق الى الضفاف التي تشكل قبلة الناس الملتاعين بالجور والمظالم..؟
من يستذكر الشعراء الكبار مصطفى جمال الدين ومحمد الغبان وعلي الشرقي ونازك الملائكة ومعروف الرصافي والزهاوي والبريكان وحسين مردان واحمد الصافي النجفي؟
من يستذكر الكتاب والأدباء محمود عبد الوهاب وعلي جواد الطاهر ومهدي عيسى الصقر ومصطفى جواد، وجعفر الخليلي، والكرملي وجواد علي، ويعقوب مسكوني وعبد العزيز الدوري؟
من يستذكر الفنانين جواد سليم وفائق حسن وناظم الغزالي ورافع الناصري وسليم البصري وهاشم الخطاط وعباس جميل ورفعت الجادرجي ومحمد مكية ونوري الرواي؟ من يستذكر الأسماء الأخرى في هذه المجالات والتي لم نوردها لامتناع حصرها وإحصائها في مقال واحد؟
أهؤلاء جميعاً شيوعيون ويساريون..!؟
لننس هؤلاء جميعاً ونتساءل بمرارة: ماذا فعل حكام الصدفة لتكريم عوائل الشهداء من آل الصدر..؟!
اسألوا السيد جعفر الصدر والسيدة حرم الشهيد وآل بيت الصدر، فلعل هؤلاء محكومون بالاستثناء ايضاً لانهم شيوعيون..!
جميع التعليقات 1
عبدالكريم
جميلة هي عبارة حكام ألصدفه ايها ألأخ فخري كريم وألمفارقه أللطيفه أن جميع من حكموا ألعراق على امتداد تأريخه ألقديم والحديث كانوا حكام صدفه باستثناء عصور ألخلافه وعصر المملكه اللتان تنصب الملك خلفا لابيه وكان الشعب على علم مسبق بالخليفه او الملك الذي سيليه