عادت الحياة البهيجة الى عوامات النيل في القاهرة، لكن السياحة، وهي من الأعمدة الرئيسة للاقتصاد المصري، لم تزل "مضروبة"، تأثراً بالأحداث التي أعقبت انتفاضة 25 يناير 2011، وبخاصة تولي الإخوان المسلمين السلطة بالشراكة مع قيادة الجيش أولاً ثم منفردين خلال سنة حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
قبل 2011 بسنوات بدأ الإسلاميون، وفي مقدمهم الإخوان المسلمين، خطة لأسلمة مناحي الحياة في البلاد، فشجعوا مادياً على الحجاب، واشتروا مرافق سياحية عديدة، بينها عوامات في النيل، ليحظروا تقديم المشروبات الكحولية فيها ويمنعوا حفلات الموسيقى والغناء والرقص. ومنذ استحواذهم على مفاصل الدولة الرئيسة سعوا للتضييق على الحريات التي كان السيّاح الأجانب يتمتعون بها، وبخاصة على بلاجات البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. ومن الواضح ان ذلك مما أغاظ الكثير من المصريين الذين تضررت مصالحهم، واستفزهم أن يسعى الاخوان الى فرض نمط متطرف وثقيل الوطأة من التدين عليهم.
الشركات المتخصصة بحجوزات الفنادق ورحلات الطيران وسواها عبر شبكة الانترنت تتنافس في الإعلان عن عروض مخفضة بنسبة تصل الى 50 بالمئة وأكثر للإقامة في فنادق القاهرة. ومع ذلك فان الفنادق تبدو شبه فارغة. وفي السوق يشكو الباعة من تضاؤل أعداد السياح. وقد زادت من هذا أعمال العنف التي تتواصل في مدن مصرية عدة منذ إطاحة حكم الإخوان، ويبدو ان أحد أهداف الإخوان ضرب اقتصاد البلاد حتى لا يقف "حكم العسكر" على قدميه.
خارج الفنادق في القاهرة لا تشعر بانحسار حركة السياحة، فالشوارع والميادين والأسواق تكتظ بالناس، وكورنيشات النيل حافلة بالحركة، والإقبال على المطاعم والعوامات لا بأس به.
بعض المناطق، وبخاصة ميدان التحرير وفي محيط جامعة القاهرة، كانت الحياة فيها شبه صاخبة بوجود تجمعات للشباب، أناثاً وذكوراً، كانوا يتجادلون في كل شيء يتعلق بالسياسة والاقتصاد، الحاضر والمستقبل، الاخوان و"الفلول" والعسكر. ولم تخلُ تلك التجمعات من سيدات ورجال في عمر متقدم، هم في الغالب من مؤيدي الانتفاضة على حكم الاخوان. شخصياً أعجبت كثيراً بحيوية الشابات وسط تلك التجمعات.
اختار رجل، بدا في آخر العقد السادس من عمره، خان الخليلي بحي الحسين ليعبّر بنبرة عالية عن رأيه في ما تشهده البلاد من أحداث .. ربما كان عسكرياً سابقاً، والأرجح انه من انصار ثورة يوليو (تموز) 1952 وعبد الناصر. كان مُهندماً، وراح يقطع خان الخليلي جيئة وذهاباً وهو يلعن الاخوان من دون أن يذكر بالاسم .. كان يرجمهم بتهمة "الخيانة" ويعلن تأييده لما حلّ بهم .. لم يكن سلوكه مُستهجناً من أصحاب محال السوفينير والانتيكات، وروادها الذين كانوا في غالبهم مصريين وعرباً.
باختصار شديد، لم ألمس في القاهرة أي شعور بالأسف على ما انتهى اليه الاخوان المسلمين، فقد كان طاغياً صوت التقدير لما فعله الجيش الذي انتشرت في مديح عمله أغنية عنوانها "تسلم الأيادي".
مصر الجديدة.. (3)
[post-views]
نشر في: 27 نوفمبر, 2013: 09:01 م