TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هرباً من الحرية

هرباً من الحرية

نشر في: 29 نوفمبر, 2013: 09:01 م

كان فيلما أجنبياً، وكانت البطلة زوجة ضعيفة يعاملها زوجها كجلاد ويقيد حريتها فلا تخطو خطوة واحدة إلا معه وبأمره، وكان يعيدها صاغرة، لو حاولت الفرار ليزيد من جرعة الرعب والقسوة.. كانت تتمنى موته، وذات يوم، وجدته ميتا في فراشه فجأة، فلم تصدق أنها حصلت أخيراً على حريتها... بدأت تأكل ماتريد وتلبس ماترغب وتصاحب من يحلو لها ففشلت في استغلال حريتها وتعرضت لضغوط جلادين وطامعين من انواع مختلفة..اكتشفت المرأة انها لاتزال سجينة ضعفها وخوفها من شبح الجلاد، فقررت ان تنتحر، هربا من الحرية!!
كنا مثل تلك المرأة..عانينا من الرعب والقسوة وفجأة، وجدنا انفسنا خارج قفص الجلاد وادركنا انه مات فعلا وحصلنا على حريتنا اخيرا، فهل نجحنا في استغلالها بعد طول انتظار لها..في البداية مارسناها بسلبية شديدة ربما لأننا لم نعتد الحرية فانغمس بعض منا في لذة " فرهدة " أموال الدولة واقتنى البعض الاخر ماكان ممنوعا عليه في فترة الكبت.. وهناك من مارسها بايجابية وحاول ان يخلق واقعا جديدا بالتظاهر والمطالبة بالتغيير الحقيقي والكتابة الحرة واخيرا السعي الى ممارسة نعمة الانتخابات بحماس فلم تكن ساحة المعركة الجديدة مع عدو خارجي بل كانت داخل انفسنا.. كان علينا ان نهزم الخوف ونقول كلمتنا لكن حريتنا بقيت منقوصة ومشروطة منذ ان ارتضى العديد منا بالمسلمات الجاهزة دون التفكير باستقلالية ووعي فهناك من انتخب ما اشارت به المرجعية الدينية وهناك من ركض خلف لواء حزب اعتقد انه سيمثله بناءً على ايمان ديني او عرقي او طائفي، أما من احتفظ بأحلامه الوردية ببناء دولة ديمقراطية فلم تكن له حظوظ تذكر في الانتخابات لأنها تحولت من جديد الى ساحة معركة يسودها العنف ويلطخها الدم، وما ان اعتلى الفائزون كراسي الحكم حتى اكتشف الشعب كم أنه كان مخدوعا لأن قادته الذين انتخبهم صاروا يحكمون باتباع الخداع لا المبادئ الاخلاقية، وصارعلى الشعب الذي ادرك مدى خداعهم ان ينهي مفعوله ويختار غيرهم.. لكن الامر الغريب لدينا هو الرضى بالممكن والخوف من المجهول فنحن لانغير اماكن عملنا مهما عانينا فيها من متاعب لأن (اللي نعرفه احسن من اللي منعرفه) ونزوج بناتنا بناءً على المثل الشعبي (شين التعرفه افضل من زين الما تعرفه) ونتحمل العواقب الوخيمة لاختياراتنا السلبية... نحن نواصل رؤية الاشياء كماهي لاكما ينبغي ان تكون وهذه اقسى درجات السخرية لأن على الانسان لكي يكون انسانا حقيقيا الا يتنازل عن حريته الا نظير ميزة اكبر منها ستعود عليه بالفائدة –كما يقول روسو –فالسلام والاستقرار الذي يجب ان يوفره الحاكم لرعاياه نظير تنازلهم عن حريتهم أمر لاوجود له لدينا لذا نحن نشقى بحكامنا منذ زمن طويل وسبق ان عشنا تحت تهديد اطماعهم و طموحاتهم اللامشروعة وديكتاتوريتهم المقيتة وها نحن نعيش تحت تهديد جديد بالديكتاتورية.. ألسنا نفقد حريتنا اذن بعد ان تصورنا اننا حصلنا عليها.. هل سنصبح مثل تلك المرأة وننتحر هربا من الحرية وانتحارنا هو بالتأكيد اختيارنا لنفس الوجوه التي سلبتنا حريتنا ثانية، ام سنواصل قراءة كتاب مستقبلنا بانفسنا ومواصلة القراءة تعني ضرورة ان نقلب الصفحة..
الفرصة مازالت امامنا لنستخدم ارادتنا الخاصة دون مسلمات جاهزة او شعارات زائفة.. لندع حريتنا تقودنا هذه المرة حتى لو اخطأنا فالاعتراف بالخطأ اسهل بكثير من التنازل عن الحرية!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram