حضرت إلى مكتبي ... جلست ودموعها تجري : ثم قالت لست أعرف كيف أبدأ طرح المُشكلة التي أُعانيها، فهي مُشكلة فظيعة تُعدُّ أحد إفرازات عصر الهمجيّة والمفخخات والقتل العشوائي والتهجير الذي صرناـ بكل أسف ـ نعيش فيه، وقضت على أي أمل أو رجاء في مُستقبل أفضل لش
حضرت إلى مكتبي ... جلست ودموعها تجري : ثم قالت لست أعرف كيف أبدأ طرح المُشكلة التي أُعانيها، فهي مُشكلة فظيعة تُعدُّ أحد إفرازات عصر الهمجيّة والمفخخات والقتل العشوائي والتهجير الذي صرناـ بكل أسف ـ نعيش فيه، وقضت على أي أمل أو رجاء في مُستقبل أفضل لشباب يُريدون أن يحيوا الحياة الأفضل! لا أريد أن أُطيل أكثر في مُقدّمة ربّما أنا أُحاول من خلالها أن أتماسك لأشاركك بكارثة انهياري، فأنا ببساطة، اغتصبت! نعم اغتصبت. كان هذا أثناء عودتي من درس مسائي آخذه مع مجموعة من زميلاتي في منزل إحداهن الذي لا يبعد كثيرا عن حيّنا الذي نقطن فيه، وإن كان مُتطرّفا لحدّ ما خارج أطراف المدينة، لا يقطنه الكثيرون بحُكم أنّه حي جديد نشأ كامتداد طبيعيّ لتوسّع المدينة العُمراني وزيادة الكُتلة السكنيّة فيها! القصّة ببساطة أنت تعلمها وكم كتبتها في صفاحتك التي قرأناها كثيرا لكن كما يقولون، الحذر لا يمنع القدر! وقد كان هذا هو قدري ونصيبي أن أستقل إحدى سيارات الكيا لأصل لمنزلي، فإذا بي أجد نفسي، بعد أن ركبت، الفتاة الوحيدة فيه! ثم بدأت الأحداث تتوالى سراعا! بمُجرّد ركوبي وإدراكي لهذه الحقيقة طلبتُ من السائق التوقُّف ولكنّه لم يُجب، فشعرت بخوف وخطر يُحدق بي وقّررت أن أصرخ، لكن قبلها كان سكّين قد وضع بجنبي من أحد رفقائه الذين كانوا أربعة شباب معا ولم يتّضح ذلك لي منذ البداية! كان ذلك وحده كفيلا، مع رعبي الأصلي، أن يُخرسني ويجعلني أستسلم لقدر كان محتوما وأنت تعرف بقيّة القصّة!! بعد أن أفقت من صدمتي ولملمت أشلائي المُحطّمة، وملابسي المُمزّقة، جريت أصرخ في الشارع حتّى التفّ حولي البعض من أولاد الحلال الطيبين الذين ستروني بملابس دبّروها لي، ثمّ بعدها اصطحبوني لأهلي. كانت الصدمة قاسية جدّا عليهم جميعا كما أنا أيضا، لكنّهم لم يعُبّروا عن صدمتهم إلاّ بالكتمان، فلم يكونوا يريدون فضحنا وسط الجيران أكثر من ذلك، والآن، أنا حطام، جسديّا ونفسيّا ومعنويّا. فقدت كل رغبة في الحياة وتواردت أسئلة كثيرة بعقلي كادت تجعلني أجن! قل لي ياأستاذ كيف سأواجه البنات والأصدقاء، وماذا سأقول للأقارب والجيران؟ كيف سأواجه المُجتمع والمُستقبل، كيف سأقابل من يتقدّم لخطبتي، وكيف ستجمعني علاقة حميمة مع زوجي، هذا لو تزوّجت أصلا، بعد كل هذا التشويه الذي حدث لي؟ هل هناك من يُجيبني على تلك الأسئلة؟ اسمع أيضا ما حدث لي، لقد قرّر أبي ألا أخرج من البيت ثانية ولو للمدرسة! فصار الموضوع بالنسبة لي كما يقولون باللهجة العامّيّة ( سجن وسجان ) فأنا في لحظة واحدة ـ ودون ذنب اقترفته ـ فقدت ذاتي وإنسانيتي وكرامتي بل ومُستقبلي العلمي والعملي!! الأكثر من ذلك أنني ألمح نظرة الهزيمة والانكسار في عيون أفراد أُسرتي المقهورة لأجلي، وهذا الشعور يكاد يقتلني ويُكمل عليّ! أهذا ما يجب عليّ أن أنتظره أو أتوقّعه من أهلي وأقرب الناس لي؟ أبدلا من أن يُشجّعوني ويُضمّدوا جراحي، أجد في عيونهم جميعا نظرات العار والانكسار والهزيمة. قُل لي بربّك يا أستاذ ما ذنبي أنا وماذا كان ينبغي عليّ أن أعمله؟ قُل لي سيّدي كيف يُمكنني أن أكمل حياتي هكذا، وما الذي عليّ أن أعمله؟ هل أقضي على حياتي بالانتحار فأُريح وأستريح؟!