كنت استمع اليهم مصادفة حين قال الطالب الشاب لرفيقه: تمنيت لو كنت كلباً بوليسياً في بريطانيا..استهجنت أمنيته وتوقعتها نوعا من (التحشيش) الشبابي الذي يصدع به أولادنا رؤوسنا لكنه لم يكن تحشيشا كما يبدو فقد أوضح الشاب لرفيقه معنى أمنيته حين روى له كيف قررت شرطة احدى المقاطعات البريطانية منح كلابها البوليسية رواتب تقاعدية تصل الى 2400دولار بعد انتهاء فترة خدمتها لضمان رعايتها بعد تقاعدها ويتم منحها للأفراد الراغبين في الاحتفاظ بها كحيوانات اليفة...وأضاف الشاب بحماس وكأن الموضوع يخصه شخصيا: يغطي مبلغ التقاعد نفقات علاج الكلاب بعد تقاعدها بما في ذلك فواتير الأطباء البيطريين واللقاحات وتكاليف تربيتها..
لم يكن الشاب يفكروقتها بقانون التقاعد العراقي الجديد وبكل الموظفين العراقيين الذين ينتظرون بشغف تعديل قانون التقاعد بمنحهم رواتب تقاعدية تضمن لهم حياة كريمة ولاتقل كثيرا عن رواتبهم الوظيفية الى الحد الذي يؤثر على مستواهم المعيشي بعد التقاعد..لم يقارن الشاب كما لاحظت بين ضمان حياة الكلاب البريطانية وصحتها بعد التقاعد وبين انتظار الموظف العراقي تطبيق قانون التقاعد وعدم تركه معلقا حتى إشعار آخر ليتلاعب به المسؤولون كورقة انتخابات تم كشفها مبكرا ككثير من الأوراق الاخرى وكأن هناك حياتين مختلفتين للفرد العراقي: إحداهما قبل الانتخابات والثانية بعد الانتخابات..بينما الأصح هو ان هناك وجهين مختلفين للمسؤول العراقي..واحد قبل الانتخابات والثاني بعدها...نعود للشاب العراقي الذي لم يفكر في كل مادار في أذهاننا بل فكر فقط كيف يحصل على ضمان جاهز دون ان يجهد نفسه في البحث عن وظيفة بعد التخرج حتى لو ترتب على ذلك ان يتحول الى كلب بريطاني!
حاولت ان انتقد الشاب العراقي وأوقف سيل حماسه الجارف لكنه أشار في معرض حديثه الى تصريح قائد الشرطة في تلك المقاطعة البريطانية الذي قال بأنهم يهتمون بمن يعمل لديهم من رجال الشرطة فيمنحونهم رواتب تقاعدية لائقة بعد انتهاء خدمتهم ويعتقدون ان من المهم ان يعاملوا الكلاب بنفس الطريقة..تراجعت عن محاولة انتقاد الشاب فهو مؤمن كما يبدو بمقولة " الغاية تبرر الوسيلة " ولم يقرن الأمر مثلنا بالكرامة ورفض التشبه بالحيوانات..
مشكلتنا ان التفكير بالكرامة عندنا يختلف كثيرا عن أولئك الذين وضعوا قانون تقاعد الكلاب فكرامتنا تعني خشيتنا التشبه بالكلاب ولو على سبيل المقارنة وكرامتهم تعني ضمان حياتهم وحياة كلابهم الأليفة لأنها قدمت خدمات لهم...
مشكلتنا الأكبر هي تلاعب المسؤولين بالقرارات التي تخص مصائرنا على طاولة قمار كبيرة تخضع فيها أحلامنا لكشف أوراق وإخفاء اخرى والغش في اللعب ثم الخلاف والشجار المتواصل واخيرا قلب الطاولة وبعثرة الأوراق حتى يحين موعد لعبة اخرى فيعاد نصب طاولة القمار ليراهن اللاعبون من جديد على مصائرنا...بهذه الطريقة تتبعثر كرامتنا مع كل لعبة قمار جديدة دون ان يهتم المسؤولون لذلك، لذا سيطول انتظار الموظفين كغيرهم ممن ينامون على وسادة الوعود الحكومية قبل الانتخابات لأن لعبة القمار الجديدة ستبعثر احلامهم حتما اذا لم تكن حظوظ الحكومة جيدة في الفوز باللعبة وحتى وان فازت لمرة ثالثة فستحتفظ بعدد من الأوراق مخفي لتراهن عليها في لعبات اخرى..
أتساءل..هل كان الشاب على حق حين فكر بطريقته ولم يورط نفسه بالتمسك بوعود الحكومة كما فعلنا فدخلنا لعبة القمار مرغمين..لعله على حق فالغاية دائما ماتبرر الوسيلة..
رواتب تقاعدية... للكلاب
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2013: 09:01 م