بإعلان لجنة الخمسين، التي ترأسها عمرو موسى، المرشح السابق للرئاسة، وضمت مختلف الأطياف، وقاطعها الإخوان المسلمون, وهي المكلفة كتابة دستور مصري جديد، إقرار الصيغة التي سترفع إلى رئيس الجمهورية، تمهيداً للاستفتاء الشعبي عليها في غضون شهر، تكون مصر ما بعد الإخوان ومبارك، قطعت خطوة جديدة ومفصلية نحو الاستقرار المفقود منذ نحو عامين، رغم أن الإخوان يواصلون محاولاتهم استثارة الشارع المصري، بالدعوات المتكررة للتظاهر، بعد أن خفت صوتهم المطالب بعودة مرسي إلى قصر الحكم، وارتفع صراخهم المطالب بحقهم في التظاهر في ميدان التحرير.
اللافت أن اللجنة لم تتوافق في بعض المفاصل مع خارطة الطريق، التي كان الجيش أعلنها، بعد استجابته للمطالب الشعبية بالتخلص من تفرد الإخوان بالحكم، ذلك يعني أن واضعي الدستور الجديد لم يخرجوا من جيب معطف الفريق السيسي، وأن هدفهم الأسمى هو بناء الدولة المدنية، التي لاتُقصي مكوناً شعبياً مهماً ولا تُهمش أحداً، ولذلك اتفقت اللجنة على ترك النظام الانتخابي، الذي ستجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية، ليتم تحديده في قانون وليس في الدستور، كما أنها لم تحدد مواعيد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن المهم أنه في جميع الأحوال ستبدأ الإجراءات الانتخابية التالية خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور، ما يعني العودة إلى الجماهير، لاختيار قيادة جديدة للبلاد تعبر بها إلى أجواء الاستقرار.
لايعني ذلك السقوط الكامل لخارطة الطريق، بقدر ما يعني تبديلاً في الأولويات، وهو تبديل لايخل بجوهرها، من حيث الانتقال السياسي في البلاد، وإذا كان بعض أعضاء اللجنة يفضلون إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، فلثقتهم بضعف الأحزاب السياسية المدنية، كما أن عدم التوافق على مادة تتعلق بإمكانية إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية، وهي الأكثر إثارة للجدل، أفضى إلى توضيحها، من خلال تحديد الحالات التي يحاكم فيها المدنيون أمام القضاء العسكري، استناداً إلى اعتبارات تتعلق بالأمن القومي.
من أبرز مواد الدستور الجديد، مادته الثانية المتعلقة بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، وهي التي تغيب عن التصويت عليها ممثل حزب النور السلفي، لكنه لم يعلن رفضها، كما أعلن موافقته على ديباجة الدستور، الذي حظرت إحدى مواده الأحزاب الدينية، واكتفى بغرفة واحدة للبرلمان، مُلغياً مجلس الشورى، ونسبة الخمسين بالمائة للعمال والفلاحين، وحصّن جزئياً ومؤقتاً موقع وزير الدفاع، باشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اختياره فقط دون عزله، كما حدد في النظام الانتخابي أن يقوم على الانتخاب الفردي بنسبة الثلثين، والثلث الباقي لانتخاب القائمة.
لم تكن رحلة مخاض الدستور المصري العتيد سهلة، في ظل الخلافات التي برزت حول الكثير من مواده، ولم يكن تطابق المواقف حول بنوده كافة مُمكناً ولا مطلوباً، كما أن الوصول به إلى مرحلته النهائية لن يكون نزهة، في ظل رفض الإخوان له، وإعلانهم نية مقاومته، كما أنه ليس سراً معارضة بعض الفئات الشبابية، التي شاركت في إطاحة حكم الاخوان لبعض الإجراءات والقوانين الخاصة بحق التظاهر، غير أن المؤكد حتى اللحظة أنه سيحظى بموافقة شعبية تضمن إقراره على طريق الاستقرار المنشود.
دستور لمصر.. خطوة نحو الاستقرار
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2013: 09:01 م