إن أكثـر جوانب الدراسات حول جورج أورويل، عندما كان هذا الموضوع متواصلاً طوال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وكانت تلك الأبحاث تجرى خلف أسوار الأكاديمية ،وأول التقارير عن أورويل جاء عبر أصدقائه، ومنهم ريتشارد ريز بعنوان (هارب من معسكر الحرية،1961)، أما بيرنارد كريك، فهو منظر سياسي، قدم السيرة الذاتية له في عام 1980، وكان الأمر صعباً على بيتر ديفيشن، الذي تعب كثيراً لعقد من الزمن لإنهاء الأجزاء الـ20 لأعمال أورويل كاملة، وبصراحة فان افضل ما كتب عنه على نطاق واسع من أناس متحمسين له، أناس يريدون إثبات صحة شيء ما، من خلف حدود قاعة المحاضرة.

وبطريقة مثيرة للفضول، فان هذا البحث ايضاً اتخذ نفس المسار، فالباحث روبرت كولينز، بروفيسور في التاريخ الثقافي، وله كتاب سابق بعنوان "هوية إنكلترا (2002) ولكنه مع ذلك لا يكتب كالاكاديميين.

وهكذا نجد أيضاً ان كاتب السيرة الذاتية لأورويل جيفري ميريز، ابتعد عن انتقاد الاكاديميين بسبب حدّة آرائهم أو أخطائهم.

ويتحدث كول في بحثه عن فكرته التي تتحدث عن النقاد الذين تناولوا أعمال أورويل بالنقد، قائلاً، انهم لم يتطرقوا إلى التساؤل عن "إنكليزية اورويل".

وبحث كول ممتع بشكل استثنائي. وهو دقيق جداً بالنسبة لعدد من الأحداث التي تتطرق إليها، دون ان يهمل التفاصيل الدقيقة الممتعة "مع عدم دقة بعضها"، وهو بإيراده تلك المعلومات، يريد القول إن معظم تصورات القراء عن جورج أورويل غير صحيحة، وان تطور آرائه ووجهة نظره في الأحداث السياسية، هي اكثر تعقيداً مما تبدو ظاهرياً.

وهذا الأمر يصحّ بالنسبة لموقف أورويل حتى أواخر الثلاثينات بالنسبة لحزب العمال، ويقول الباحث ان أورويل عندما انتقل إلى شمال إنكلترا، لكتابة "الطريق إلى ويغان بير (1973)، كان تقريباً لا يعرف شيئاً عن الاشتراكية التي سيعلن حكمه عليها وآرائه حولها".

كان اورويل ذا تجربة محدودة سياسياً، ويتحدث الباحث عن عمل أورويل في الصحافة أعوام الثلاثينات قائلاً، انه قادر على الكتابة لصديق قائلاً: "ليست لديّ معلومات تثير الاهتمام، انقلها إليك، حول الطبقات الاجتماعية المنخفضة"، ويقول الباحث ايضاً ان ما كتبه في "ويغان" وغيرها من الكتب هي نوع من أنواع الاستغلال للقضية، إذ انه وصل إلى المدينة بعد ان كانت قد عانت من تهديد عمال المناجم بالإضراب، ويبدو انه لم يكن يعرف بذلك، وهو لا يبدي اهتماماً بتاريخ حزب العمال، ولا يعرف قط عن مؤسسات مثل مدارس الأحد الاشتراكية أو اتحاد الشباب، التي تسهم في أنشطة حزب العمال وغيرها من الأمور المماثلة.

وإن كانت تجربة زيارته لبرشلونة في أوائل عام 1937، قد نبهت أورويل إلى ماهيّة الاشتراكية وتطبيقاتها عملياً، فان رواية "الصعود من أجل الهواء1939" يمكن اعتبارها كما يقول كولز، مفتاحاً لـ"انكليزيته".

وبطل تلك الرواية باولينغ، وخيبة امله وهو في منتصف العمر –لا يشبه المؤلف، فهو ليس سيّداَ، ومع حنينه إلى العالم المفقود لمرحلة بداية القرن العشرين متذكراً أعوام طفولته في منطقة اوكسفورشاير.

وهذه الملاحظات التي يقول عنها الباحث، توافقاً وانسجاماً لأورويل مع وطنه، وان النتيجة النهائية- بعد صقلها ظهرت في المقالات التي نشرها أوائل الأربعينات، عن توافقه مع الوطن، وانه سينظر إلى الشعب الإنكليزي كما هم وليس كما يريد ان يكونوا.

"وإن كان هناك أي أمل كما يقول: وينستون سمث، في رواية 1984، فهو يكمن في البروليتاريا".

ويستعين كولز بهذا الحكم كأمر مسلّم به، دون ان يتساءل، كما فعل العديد من نقاد جورج أورويل، فيما اذا كان هناك امل في الطبقة الوسطى الراديكالية، التي تبادر في الظروف الصعبة إلى التحرك.

وكما يتحدث المؤلف عن أخطاء الآخرين. فله أيضاً أخطاء، ومثال على ذلك، قوله ان اورويل عاد إلى الوطن من بورما في عام 1927، وهو يحمل افكاراً معادية للإمبريالية.

وفي الحقيقة، فانه عاد إلى إنكلترا بعد شفائه من حمّى خطرة، ولم يكن آنذاك قد وصل إلى قرار فيما ان كان سيعود إلى بورما أم لا.

وعودة إلى دراسات أورويل فهي تتناول الرسائل واليوميات التي سرقت منه في إسبانيا في عام 1973، وهي مخفية في مكان ما في أرشيف موسكو، وهناك ايضاً 19 رسالة حب غير منشورة إلى إلينور جاك (والتي كان قد وعدها بالزواج في الثلاثينات)، ومع اكتشاف تلك الرسائل في عام 2008، غدت من ممتلكات أسرته، وكل واحدة منها ستلقي المزيد من الضوء على وجهات نظرنا بالنسبة لأورويل.

 عن: الأوبزرفر