كان لخبر وفاة الشاعر المصري الصديق أحمد فؤاد نجم، صباح أمس، وقع على نفسي لا يشبه الحزن بل اكبر بكثير. لا أدري كيف سيكون شكل القاهرة بعيني. فمثلما يصعب علي تخيلها بدون النيل يصعب كذلك ان أجدها بدون نجم.
بتقديري، لم ينشغل شعراء مصر، خاصة الشعبيين منهم، بشاعرهم أحمد فؤاد نجم مثلما انشغل به شعراؤنا الشعبيون في أواسط السبعينات. كان أكثرنا تعلقاً به شاعر السماوة الراحل محمد عزيز كاندو. يحفظ اغلب قصائده ولا ندري من أين كان يأتي بدواوين نجم في ذلك الوقت. سألته عن السر فضحك كعادته وقال لي ان "قجقجية" السماوة لا يصعب عليهم شيء! كتب كاندو مرة قصيدة على شكل رسالة يتضامن فيها مع الشاعر المصري بعد ان وصلته اخبار بان "صديقه" مسجون. اذكر منها مقطعاً حفظناه منه وصرنا نردده بمرح:
ازيك يا أحمد؟ وازي الشعب المصري الطيب؟
كنت أحلم، ويشاركني الكثير من زملاء القصيدة الشعبية، أن التقي بأحمد. وبفضل الصديق كوكب حمزة، الذي يعد من اقرب العراقيين لنجم، جاءتني دعوة لزيارة الشاعر في القاهرة وذلك للمشاركة في احتفالية ذكرى ميلاده السبعين.
التقيته على "السطو" في بيت من غرفة واحدة لا قنفات فيها ولا أثاث مهم سوى فرشات للجلوس على الأرض. الفنانون والفنانات والمثقفون والمثقفات يقصدون "سطح" نجم على مدار اليوم. لا أدرى متى ينام ومتى يأكل ومتى يكتب الشعر. ولعه الأول ان يلعب الورق "كوتشينة". يلعبها ولا يهمه من الذي قد حضر لزيارته.
لنا، نحن العراقيين فقط، يكشف نجم بوضوح عن انه شيوعي. شيوعيته، كما يقول، جعلته يحب بغداد بالذات أكثر من موسكو. عندما يتحدث عن أيام ارتباطه الأولى بالحزب وعن عامل المطبعة الذي كسبه تشعر وكأنه الشاعر البصري أبو سرحان أو سعدون جارنا الشيوعي العامل الذي أعدمه البعثيون لأنه محبوب عند الناس أكثر من صدام! لو لم يكن أحمد يتكلم باللهجة المصرية لأقسم كل من يسمعه على انه عامل عراقي أصيل. وان كان يحفظ بعضا من قصائد شعرائنا ويعرف أسماء بعضهم، لكن حفظه "للفشار" العراقي أكثر.
في آخر سهرة معه على "السطح" أزعجنا بعض الجالسين، إذ كان ثملا حتى العظم". وعندما أسمعني السكران كلمة غير طيبة، التفت إلي أحمد وقال لي: "جيبه بزيج عراقي وسيصمت". لأول مرة اكتشف، في حينها، ان لدينا سلاحاً عراقياً ينفع وقت الحاجة!
للحديث بقية.
أحمد فؤاد نجم .. وداعاً
[post-views]
نشر في: 3 ديسمبر, 2013: 09:01 م