مرة أخرى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، تأخذ طرابلس الشام دورها كموقع متقدم لانتشار لهيب الأزمة السورية إلى وطن الأرز، مع غياب مؤسف لأي جهود جدية لمنع وقوعها أسيرة حرب طائفية تستمد شررها مما يجري في سوريا، وتعيد إنتاج ذلك في اشتباكات بين الأقلية العلوية في جبل محسن، بما هي امتداد لقوات الأسد، والأكثرية السُنيّة باعتبارهم جيشاً رديفاً لمعارضيه، ويعتقد كثيرون أن تفجير مسجدين في المدينة لم يكن غير واحد من الفصول التي سيشهدها لبنان، إن خرج عن طوع النظام السوري وحليفه في الممانعة والمقاومة، المُسيطر اليوم بالقوة المسلحة على القرار السياسي في لبنان.
في طرابلس تندلع الحرب الطائفية، دون أي محاولة لإخفاء وجهها القبيح، ربما كان صداها يتردد في جبال معلولا السورية المسيحية، التي يرى فيها معارضو الأسد خاصرة رخوة، تصلح لتلميع وجههم الطائفي، بينما يرى النظام السوري في الغزوات المتلاحقة التي تستهدفها، ما يمكن اعتباره رسالة للغرب المسيحي، تُذكّره بخطورة تغيير النظام أو إسقاطه، وإن لم يفلح الجيش اللبناني في مهمته التي تحمل الرقم 18، في السيطرة على الأمور المنفلتة من عقالها، وحصر التداعيات بعيداً عن التفاعلات المذهبية والطائفية، فإن ما يجري اليوم، سيكون مقدمة لجولات من القتال الممتد على كامل الجغرافيا اللبنانية، أسوةً وتأثراً بما يحصل في سوريا.
بحسب اللغة السائدة اليوم، فإن مقاتلي باب التبانة لا يمثلون الطائفة السُنيّة في طرابلس، والقادة السياسيون لهذه الطائفة يؤكدون عدم رغبتهم في الانزلاق إلى صراع طائفي، يستعيد أجواء ومناخات الحرب الأهلية، وهم يضعون المسؤولية في وقف ما يجري على عاتق الدولة اللبنانية وجيشها، مع أنهم يدركون تماما مدى قوة الدولة وقدرة الجيش، وهم في كل الأحوال يخشون من سيطرة القوى المتطرفة السُنيّة على المدينة، المعروفة بأنها خزان أصوات تصب في صناديقهم عند كل انتخابات، ولذلك يعلنون مخاوفهم على المدينة وأهلها، دون خطوات عملية لتبديد هذه المخاوف، أو منع وقوعها.
يرى البعض في ما يحدث في طرابلس، امتداداً لتصاعد العمليات العسكرية في سوريا، بهدف تحسين الموقف التفاوضي عشية جنيف الثاني، بينما يعتقد آخرون أن هذه الجولة رسالة إلى طهران بعد انفتاح الغرب عليها، مفادها أن عليها الحد من اندفاعتها في حربها المذهبية في بلاد الشام، إن كانت راغبة فعلاً في تحسين علاقاتها مع جوارها السني، أم أن الأمر يتعلق فقط بما كشف عن ضلوع جبل محسن العلوي في تفجير المسجدين السنيين في المدينة، تنفيذاً لأوامر دمشق، أسئلة كثيرة تغيب الإجابة على أي منها، على وقع تبادل إطلاق النيران عبر شارع سوريا، حيث تغيب فرصة الحسم لأي من الطرفين، رغم تزايد أعداد الضحايا، الذي دفع أخيراً الى تسليم المدينة المنكوبة بأهلها إلى جيش، لن يكون بدوره قادراً على حسم الأمور.
يكمن الحل عند أطراف عديدة في الساحة اللبنانية، بتسليم المتهَمين في تفجيريْ المسجدين ومثول علي عيد زعيم الحزب العربي الديمقراطي أمام القضاء، مع ضمان عدم التعرض لأهالي جبل محسن بأي اعتداء، غير أن حزب عيد هدد بحصار طرابلس بالنار، وفي المقابل تشدد فاعليات باب التبانة على ان مجزرة تُرتكب بحقهم، وفي ظل اتهام الأجهزة الأمنية بالضلوع فيما يجري، فإن المؤكد أن عاصمة الشمال مُعرضة لاستنساخ التجربة المدن السورية فيها، أليست هي طرابلس الشام؟.
طرابلس الشام .. لعنة الاسم والجغرافيا
[post-views]
نشر في: 3 ديسمبر, 2013: 09:01 م